منذ أن تزاملنا فى الجامعة فى بداية الستينيات من القرن الماضى وأنا أشعر بالتعاطف معه لأنه رغم ما يمتلكه من صفات نبيلة إلا أنه ــ وباعترافه ــ يعايش هاجسا مقلقا اسمه "الشك ".. وقبل عدة أشهر التقيته به فى مناسبة اجتماعية وسألته عن دوافع هذا الإحساس المزعج الذى جعله يرتاب فى كل شيء ولا يثق فى صدق أى إنسان ويرى فى مديح الآخرين له " حسدا " أما إذا لحقت به أو بأسرته نكبة أو كارثة فإن ذلك بسبب " السحر " اللعين!.
وراح زميلى يروى لى أنه ينتمى لأسرة منكوبة وأنه أمضى حياته يريد أن يعرف سر هذا النحس والبلاء الذى كان يلازم أسرته فأمه كانت تعزو ذلك إلى أعمال السحر وأبوه كان يقول: إن الأمر انعكاس لحسد الحاسدين.
ووجدت أن من الأمانة أن أصارح زميلى بالحقيقة مهما تكن مرارتها وأن أقول له إنك مجرد مريض تعيش داخل أسرة مريضة بداء اسمه " الوهم " وأن هذا الداء اللعين تتولد عنه مضاعفات متعددة مثل " الشك " و " القلق الدائم "و " عقدة الاضطهاد " و " فقدان الثقة " فى النفس وفى الآخرين.. ولم يتركنى زميلى لكى أكمل كلامى وهب واقفا لكى يعانقنى مودعا... وعندما سألته... إلى أين أنت ذاهب ؟ قال بتلقائية: سأذهب للمسجد لأصلى لأننى هناك أشعر براحة نفسية لا أشعر بها فى أى مكان آخر... ثم أتوجه بعد ذلك إلى النادى لأداء رياضتى المفضلة التى أحس معها بصحتى وعافيتي... ثم أعود إلى البيت حاملا على وجهى ابتسامة الرضا لكى أساعد كل أفراد أسرتى على أن يرسموا هذه الابتسامة على وجوههم... وقبل أيام جاءتنى مكالمة تليفونية من زميلى يدعونى فيها لحضور حفل زواج ابنه الوحيد بعد خروج " النحس " من بيتهم إلى غير رجعة وخرجت معها كل بقايا الشك التى كانت قد تسللت إلى نفسى حول أوهام السحر والحسد!
خير الكلام :
<< خير الأصدقاء من أقبل عليك إذا أدبر الزمان عنك !