الجمهورية
ناهد المنشاوى
بلد التسعين مليوناً
إن مصر لم تعرف الأزمة الاقتصادية إلا عندما سيطر فكر التجار علي مقاليد الاقتصاد المصري. فكان الاستيراد من الخارج والبيع والشراء للمنتجات الاستهلاكية للأطعمة والمشروبات والملابس. كلها تستورد بالرغم من صناعتنا الوطنية سواء في الأغذية أو الملابس. وأيضاً العصائر والسيمون فيميه. وأنواع الجبن. وأنواع السجائر والخمور. كلها تستورد ويكسب التجار الملايين.
وانصرف الفكر عن إقامة مشروعات اقتصادية ضخمة لتدعيم المركز الاقتصادي المصري. لتتبوأ مصر مكانة اقتصادية عالمية تستحقها. مثلما فعلت كوريا. وماليزيا. وتايوان. وغيرها من الدول التي أحسن قادة دول العالم التفكير في مستقبلها.
كنا في الأربعين سنة الماضية نستورد كل شيء وتمتلئ جيوب التجار ورجال الأعمال الذين يعتمدون علي شراء التوكيلات أو تجارة الأغذية.. في نفس الوقت وجدنا قادة العالم الثالث الناهض اقتصادياً. أحسنوا استغلال الملايين من مواطنيهم وحولوا طاقاتهم إلي طاقة إنتاجية صناعية وزراعية وفق خطة عمل مدروسة تحسب نتيجتها لصالح اسم الوطن.. أما في مصر فلا يزال استغلال الملايين التسعين لتعداد شعب مصر وتحويل طاقاتهم البشرية إلي طاقة استهلاكية. لتصب نتيجتها في صالح التجار الذين أصبح اسمهم رجال أعمال.. والتاجر لا يهمه إلا تحقيق النفع الاقتصادي. وزيادة رأس ماله دون التفكير في صالح المجتمع.. لقد بدأت الآن في عصر السيسي. مشاريع التنمية.. ومشاريع من أجل إصلاح الاقتصاد المصري بفرض ضرائب جديدة علي شعب أصلاً لا يهتم إلا بنفقاته واستهلاكه للغذاء أو احتياجات أولاده. ورأيناكلنا غلاء الأسعار بشكل كبير. ولا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً لا جمعيات محاربة الغلاء. ولا جهاز حماية المستهلك.. وحتي الجمعيات الاستهلاكية مثل النيل والأهرام أصبحت سلعها ناراً. المكرونة والأرز والسكر واللحم والدواجن والشاي وخلافه وأصبحنا نجد اختلافاً في الأسعار لدرجة أنه فعلاً نجد سلعة في مجمعات النيل تباع بـ14 جنيهاً. ومثيلتها في مجمع الأهرام تباع بثمانية جنيهات.. ليس هناك رقابة ولا يحزنون.. والسوق أصبح "سداح مداح" لأي فوضي. وكل التجار يبررون بارتفاع الدولار. وانخفاض قيمة الجنيه حتي في السلع التي تنتج محلياً.. وعندما تهم جمعية حماية المستهلك للعمل تقول إنها ستتعاون مع التموين لضبط أسعار السجائر.. يا فرحتي. أصبح هناك لا مفر من تسعيرة جبرية لكل المجمعات ومحلات البقالة والسوبر ماركت. مع نشرها يومياً من خلال التليفزيون والإذاعة والصحف أيضاً.
استمعت إلي مجموعة كبيرة من ربات البيوت يتحدثن أنهن يذهبن إلي أسواق الجملة. أو الأسواق الشعبية لشراء احتياجاتهن. والبعض الآن إلي مجمعات القوات المسلحة. ولكن هل سيستمر الوضع هكذا بدون التحكم في السوق. بل يتحكم فينا التجار الجشعون الذين لا يهمهم إلا زيادة رأس مالهم؟!!
برامج التوك شو. تفسح برامجها للوزراء في حكومة تعيش في برج عاجي لا يهمها إلا جباية الأموال.. والناس لديهم أمل في تغيير الوزراء.. ومحاسبتهم كما حدث مع وزير التموين خالد حنفي. الذي استفز الفقراء والغلابة بإقامته في سميراميس. مع أنه نجح في منظومة الخبز.. ولكنه فشل في منع فساد التجار. وسرقة صوامع القمح وبيعها في السوق السوداء.
الناس يريدون القطاع العام نصير الغلابة.. يعود كما كان في السبعينيات. يريد أن يستريح من القطاع الخاص. الذي يكسب الملايين علي حسابه.. لدرجة أنه ليس هناك طبقة متوسطة علي الإطلاق.
لقد أعطت المثل سيدة مصرية علي قد حالها كفيفة. سنها تسعون سنة. تبرعت بحلقها الذهب علشان خاطر مصر.
وفي النهاية أمنية أتمني أن تتحقق.. يا ريت كل من اشترك في جرائم المسلسلات الدرامية. مؤلفين وممثلين. وممثلات. ومخرجين.. وأيضاً المنتجون في الأصل.. أن يعتزلوا العمل. وأن يذهبوا ويأخذوا معهم مصر بتاعتهم التي أبدعوا في إبراز مساوئها.
أي مجتمع في أي دولة في العالم فيه السييء. وفيه الجيد.. لكن أن ننفق هذه المئات من الملايين لنظهر الأسوأ في المجتمع؟!.. فتلك هي الجريمة فعلاً.. ستظل في حصار دائم بأفكارهم. بينما الرقابة تنام في العسل.. ويقولون: حرية الإبداع.. وعلي أي متضرر أن يخبط رأسه في الحائط. أو يقفز إلي النيل. ليغرق وتنتهي آلامه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف