عبد القادر شهيب
كنائس بالقانون.. انتصار للمواطنة
رغم انني أدرك أن قانون بناء الكنائس لا يكفي وحده للتخلص من التوترات والصدامات الطائفية والدينية إلا انني موقن أن إقرار هذا القانون بالتوافق بين الحكومة والكنائس المسيحية الثلاثة عمل تاريخي شديد الأهمية في طريقنا لتحقيق المواطنة الحقيقية التي لا تفرق بين مسلم أو مسيحي. وبين رجل أو امرأة. وبين غني أو فقير. وبين أهل الصعيد أو أهل وجه بحري أو أهل سيناء وحلايب وشلاتين.
فهذه هي المرة الأولي في تاريخ مصر يحظي المصريون المسيحيون بحق قانوني لبناء كنائسهم.. حق يقرره لهم قانون حظي بتوافقهم حتي وإن كان البعض منهم ومن أشقائهم المسلمين كانوا يتمنون أن يصدر قانون موحد لبناء دور العبادة.. الآن لن يضطر المسيحيون في مصر لبناء كنائسهم سراً. وهو ما كان يثير مشاكل وتواترات يفض في نهاية المطاف إلي عنف.
نعم إن بناء الكنائس بسهولة ويسر سوف يحتاج لما أهم من القانون وهو نزع قيم التطرف الديني وزرع قيم المواطنة في نفوس عموم المصريين حتي ينتشر الاقتناع لدي عموم المواطنين أن بناء الكنائس حق للمسيحيين مثلما بناء المساجد حق للمسلمين في مصر.. ولكن نحن وضعنا الخطوة الأولي لتحقيق ذلك. وهو إقرار القانون بحق المسيحيين في بناء كنائسهم.
إنها خطوة شديدة الأهمية وتاريخية بالفعل. وسوف تحسب لهذا الحكم الذي يؤكد أنه لا يكتفي بالحديث عن قيم المواطنة والإشادة بها. وانما يسعي بالفعل لتطبيق هذه القيم علي أرض الواقع. كما سوف تحسب لهذا البرلمان أيضاً الذي أنجز هذا القانون في دورته الأولي التزاماً بالدستور.
لذلك.. من حقنا الاحتفاء بهذه الخطوة دون أن يعكر صفو هذا الاحتفاء تلك الضجة التي أثارها البعض حول هذا القانون استناداً إلي معلومات مغلوطة. أو تلك الانتقادات التي وجهها البعض لقادة الكنائس الثلاثة لالتزامهم الحكمة والعقل خلال المشاورات التي سبقت التوصل إلي التوافق حول هذا القانون. والذي أسهم في تجنيب مصر ما لا يحمد عقباه.
وبعد الفرح والاحتفاء بهذا الإنجاز التاريخي الذي أنهي إلي غير رجعة الخط الهمايوني الذي كان يتحكم في بناء وترميم الكنائس ويسلب المصريين المسيحيين حقاً أساسياً وأصيلاً لهم. يجب أن نركز هل جهدنا الآن علي كيف ننفذ هذا القانون علي أرض الواقع.. فكم من قوانين رائعة وعظيمة لدينا ولكننا لا ننفذها أو لا ننفذها بالكامل أو نتغافل عن تنفيذها في بعض الأوقات.
لقد تقرر الحق القانوني للمصريين المسيحيين في بناء وترميم كنائسهم وهذه خطوة كبيرة وضخمة وعظيمة. لكن عظمتها سوف تكتمل بتطبيقها علي أرض الواقع دون محاولات التفاف بيروقراطية عليها. ودون سعي لتعطيل تنفيذها.
وهذا لا يقتضي روحاً مختلفة للأجهزة البيروقراطية. خاصة تلك الموجودة في المحليات. وتحديداً محليات الصعيد التي ثار فيها الكثير من المشاكل بخصوص بناء الكنائس. وانما يقتضي وعياً مختلفاً وجديداً لدي عموم المواطنين البسطاء.. وهذا أمر مرهون بمحاصرة قيم وأفكار التطرف الديني التي انتشرت في مجتمعنا منذ عدة عقود مضت وزاد انتشارها في ظل وجود جماعات الإسلام السياسي التي غزت بلادنا مع نشأة جماعة الإخوان في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي.
وإذا كان ضرورياً إعداد لائحة تنفيذية محكمة الصياغة وواضحة ومباشرة لقانون بناء الكنائس لتضمن تنفيذه بدون تعقيدات إدارية. فإنه من الضروري الآن أن نبذل جهداً أكبر من أجل مواجهة التطرف الديني وتصحيح الخطاب الديني.
لقد نزعنا بقانون بناء الكنائس فتيلاً كان يستخدم لإشعال الفتنة الطائفية في البلاد. وهو ما يهدد تماسك المجتمع في وقت نحن أحوج فيه لهذا التماسك الوطني في ظل المؤامرات التي تستهدف تقويض كيان دولتنا الوطنية وسلب مصر هويتها الوطنية.. ولكننا سوف نتخلص من كل أسباب هذه الفتنة التي تطل علينا بين الحين والآخر بوجهها الكئيب عندما نحاصر ونحارب التطرف الديني في كل أرجاء المعمورة. وخاصة بين بسطاء الناس في بر مصر. عندما سوف نحاصر هذا التطرف الديني الذي زرعته في تربتنا المصرية جماعة الإخوان خلال العصر الحديث ورواه قيم التشدد التي عاد بها المصريون العائدون من الخليج. فاننا سوف نتمكن من تحقيق ما ننشده من سلامة مجتمعي لا يعكر صفوه عنف ديني أو طائفي. وسنحقق المساواة الكاملة بين المسلمين والمسيحيين وسنقضي علي كل صور التمييز الديني في مجتمعنا. لنعتمد كل معايير الكفاءة في كل مناحي حياتنا. خاصة فيما يتعلق بتولي المناصب المختلفة.
وإذا كنا اتخذنا الخطوة الأولي والمهمة والخطيرة في هذا السبيل فاننا قادرون علي اتخاذ ما يجب أن يتلوها من خطوات مهمة أيضاً في طريق المواطنة وحماية تماسكنا الوطني.. ولنتذكر أن هذه الخطوة الأولي. خطوة إصدار قانون لبناء وترميم الكنائس. كانت حلماً طال انتظاره. حلماً بعيد المنال. كانت مجرد المطالبة به مؤجلة حتي من قطاع من الاخوة المسيحيين.
إذا كنا قد اتخذنا بشجاعة هذه الخطوة الأولي المهمة لضمان تحقيق مبدأ وقيم المواطنة الحقة. فاننا بالتسلح بذات الشجاعة سوف نخطو بقية الخطوات الضرورية لتحقيق المساواة في مجتمعنا. وحمايته من شرور الفتن الطائفية والدينية التي لم تكن فقط تنغص علينا حياتنا. وانما تضمن له تماسكاً ضرورياً في مواجهة من يتربصون بنا ويريدون تقويض كيان دولتنا الوطنية. خاصة وأن الإخوان لم يتخلصوا من حلم استعادة الحكم والأمريكان لم يتخلصوا من الرهان عليهم.