رضا رفعت
أيهما أفضل الدعم العينى.. أم الدعم النقدى؟
مؤخرا تم كشف العديد من قضايا الفساد فى منظومة الكروت الذكية وتوريد القمح.. وأشارت نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك عام 2015 إلى أن 77% من الشريحة الأعلى إنفاقا فى المجتمع المصرى لديها بطاقات تموينية. أى أنه لابد من تنقية تلك البطاقات من الذين لا يستحقون الدعم. وأثار إعلان الحكومة عن بدء تنفيذ خطة إصلاح اقتصادى حتى يونيو 2018، تعتمد على الدعم النقدى، حالة من القلق لدى المواطن البسيط بسبب الخوف من المنظومة الجديدة.
فى نفس الوقت، طالب بعض الخبراء بسرعة التحول إلى الدعم النقدى، وقالوا إنه مرهون بضرورة امتلاك منظومة معلوماتية واضحة تحدد من هم الطبقة المستفيدة من الدعم، وأنه يجب توفير فرص عمل للطبقة الفقيرة وتحويلها إلى مجتمع من المنتجين ويقل اعتمادهم على الدعم تدريجياً.. فى حين رأى خبراء آخرون ضرورة الإبقاء على الدعم العينى.. لذلك نناقش فى هذه السطور الزوايا المختلفة لتلك القضية.
كشفت نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك عام 2015، الذى أعده الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن الأسر التى تعيش فى الريف أكثر استفادة من الدعم الغذائى مقارنة بالحضر. وأن ما تحصل عليه الأسرة من دعم للسلع الغذائية وفقًا للمنظومة الجديدة للدعم يمثل 6.8% من إجمالى استهلاك الأسر من الغذاء، وهو ما يرفع جزءًا من عبء غلاء الأسعار عن كاهل الأسر.
وأوضحت النتائج أن الأسر لم تغير نمط استهلاكها من السلع التموينية نتيجة للمنظومة الجديدة، فمازالت معظم الأسر تستهلك الأرز والزيت والسكر من خلال هذه المنظومة.
وقال البحث: إن استهلاك الأسر الريفية من الخبز المدعم يفوق الأسر الحضرية وأصبحت الأسر الريفية تستهلك الخبز المدعم بعد أن كانت تفضل إنتاجه ذاتيًا.
• تغير الدخول
وأكدت نتائج البحث أن هناك حاجة ملحة لاستهداف الأسر التى تحصل على الدعم من خلال البطاقات التموينية، فمثلا هناك 77.4% من الأسر فى أكثر شريحة إنفاقًا تحصل على دعم غذائى، وكذلك تحصل نحو 90% من الأسر فى الشرائح العشرية الخامسة وحتى التاسعة على الدعم الغذائى. وتلك الشرائح ليست فى حاجة إليه وكان من الأفضل توجيه ما تحصل عليه هذه الأسر إلى الشرائح الدنيا المستحقة فعلا لدعم الدولة لمواكبة الزيادة فى أسعار الغذاء.
وكشف استطلاع للرأى العام تم إجراؤه خلال شهر يونيو الماضى أن 57.8% من الأسر المصرية ترى أن دخولهم لم تتغير عن العام الماضى التى بلغت 42.2%، وأظهر الاستطلاع أن 91% من الأسر ترى تحسن جودة رغيف الخبز، وفضل 39.9% من المواطنين الدعم النقدى مقابل 42.7% المربوط بالسلع التموينية، وأظهرت نتائج الاستطلاع الصادرة عن مركز «استطلاع مصر» المتخصص فى البحوث الميدانية والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، التى أعلنتها الدكتورة عالية المهدى المدير التنفيذى والشريك المؤسس للمركز، أن التغير الأكبر فى الدخل جاء بالنقصان بنسبة 58.3% ممن تغيرت دخولهم، فى حين كانت هذه النسبة فى الاستطلاع السابق فى سبتمبر 2015 نحو 44.3%، بما يشير إلى زيادة أعداد من تراجعت دخولهم بين الأسر المصرية خلال عام.
فيما أفاد 41.7% من الأسر التى تغيرت دخولها بأنها زادت، مقابل نسبة 55.7% بالاستطلاع السابق عام 2015، وعن استفادة الأسر المعيشية من الدعم الحكومى جاءت النسبة الأكبر من الاستفادة من دعم رغيف الخبز بنسبة 93% من الأسر، تليه البطاقات التموينية بنسبة 87%، تليها الكهرباء بنسبة 39.2%، وأفاد 71.5% من الأسر أنهم لم يجدوا صعوبة فى الحصول على البطاقات الذكية، فيما ترى 59% من الأسر أن النظام التموينى الجديد أفضل، كما تشير النتائج إلى استمرار تفضيل الأسر المعيشية للدعم العينى عن الدعم النقدى، ولم تختلف النتائج كثيرا عن الاستطلاع السابق إلا بنسبة بسيطة، حيث يفضل 42.7% من الأسر زيادة الدعم المربوط على البطاقة التموينية، مقابل نسبة 43.6% فى الاستطلاع السابق، ويفضل 39.9% من الأسر أن يكون الدعم نقديا للأسر الفقيرة وأسر الضمان الاجتماعى، مقابل 35.1% فى الاستطلاع السابق الذى أجرى العام الماضى.
• القضاء علىالفساد
وعن أهم القضايا الداخلية التى تشغل الأسر المصرية ظلت قضية غلاء الأسعار فى المرتبة الأولى بنسبة 73.2% من الأسر، مقابل نسبة 44% فى الاستطلاع السابق.
وأكد الدكتور نادر نورالدين الخبير الزراعى ومستشار وزير التموين الأسبق أن منظومة الدعم النقدى تفيد المجتمع أكثر وتقضى على منظومة الفساد التى تم اكتشافها فى عمليات توريد القمح سواء المحلى أو المستورد وينتهى تزوير الكروت الذكية بعد أن يصبح لا حاجة لها وتنتهى منظومة صرف البامبرز والتونة المفتتة والمساحيق من البقال التموينى.. ولنا أن نتصور لو أن الدولة صرفت لكل فرد 18 جنيهًا دعم السلع التموينية وصرفت للأم مبلغ دعمها ودعم أولادها القصر وجعلت المواطن يشترى السلع الرئيسية التى يحتاجها دون فرض من الدولة سيجعل المحلات تتسابق على عروض التخفيض لزيادة المبيعات.
وطالب «نورالدين» بإعطاء الدعم للمواطن وليس للبقال أو الأفران أو الصوامع أو مزورى الكروت لأن صرف دعم الخبز نقديًا بمعدل جنيه يوميا لأربعة أرغفة للفرد أى ثلاثين جنيها شهريا ويشترى الخبز من الأفران أو الرصيف أو السوبر ماركت سيلغى مسئولية الدولة عن إنتاج الرغيف ويلغى توريد القمح وفساده ويجعل المخابز تتنافس فى إنتاج أرغفة بأسعار مختلفة تناسب كل المستويات وتتنافس فيما بينها لجذب المستهلك، بل توصيل الخبز للمنازل كما فى فيلم «بائعة الخبز»، وأضاف إن منظومة الدعم النقدى ستسهم بشكل كبير فى خروج بعض الفئات تلقائيا من منظومة الدعم فلا يمكن لأستاذ جامعة أو قاضٍ أو دبلوماسى أو ضابط شرطة أو جيش أو وكلاء وزارة أو رجال أعمال يذهبون إلى مكتب البريد شهريا من أجل صرف 18 جنيهًا.
وقالت الدكتورة شيرين الشوربجى خبيرة البنك الدولى وأستاذة الاقتصاد: المنظومة المطبقة حالياً مع السلع التموينية ودعم نقاط الخبز أقرب إلى الدعم النقدى. وجزء كبير من المصريين غير متقبل لفكرة الدعم النقدى بسبب آثاره السلبية على المستهلك مع تآكل قيمة الدعم عاماً بعد الآخر، وأضافت «الشوربجى»: إن الدولة بظروفها الحالية مازالت تحتاج إلى بعض الوقت قبل التحول إلى فكرة التحول للدعم النقدى المباشر. ويجب قبل التحول إلى الدعم النقدى تحديد واضح لمن يستحق الدعم النقدى. وقالت: إن نسبة غير قليلة من حائزى البطاقات التموينية لا يستحقون الدعم.
• من هو الفقير؟
وأوضحت أنه وفقاً للدراسات الأكاديمية تم تحديد من هو الفقير الذى يستحق دعم الدولة، ولكن يجب أن يتم حوار حول الفئات المستحقة للدعم النقدى وما إذا كان سيدخل من بينهم الموظفون ومتوسطو الدخول. والجهاز المركزى يملك من البيانات والمعلومات التى تفيد فى تحديد الفقراء ودخولهم. ولا يجب النظر لقضية الدعم بمعزل عن باقى القضايا التى تواجه الاقتصاد مثل قضية الضرائب وخضوع البعض للضريبة مع عدم خضوع الآخر لها أو نأخذ من موظف ضريبة 20% ولا نأخذ من المهن الحرة.
وقالت الدكتورة يمن الحماقى أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس.. إنها مع التحول إلى الدعم النقدى بسبب كم الفساد الذى ضرب منظومة الدعم خلال الفترة الماضية، ولكن يجب أولاً تكوين قاعدة بيانات واضحة وسليمة للوصول إلى مستحقيه. ومع التحول إلى الدعم النقدى يجب الوصول للفئات المستهدفة والضرب بأيدٍ من حديد على الفاسدين والمفسدين، وتوفير فرص العمل للفئات المستحقة للدعم.
وأضافت «الحماقى»: إن الحكومة تدفع دعما رهيبا ويتسرب جزء كبير منه للمفسدين مما يهدد الاستقرار.. والبرازيل نجحت مع استهداف الفئات الفقيرة فى التحول إلى دولة أكثر نمواً ومن خلال تشغيل وتوظيف هذه الفئات يمكن تقليل الدعم النقدى بعد أن تم تحويل هؤلاء الفقراء إلى مجتمع منتج.
وأوضحت أن هناك عجزا شديدا بين برنامج الاستهلاك، مما أدى إلى حدوث ضغوط تضخيمية، وهذا هو التحدى من خلال تحويل الفقراء إلى مجتمع منتج مع الاهتمام بالمشروعات الصغيرة دون إهمال الصناعات الكبيرة.
ورفض الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، التحول إلى الدعم النقدى خلال هذه المرحلة بسبب جشع التجار وضعف الرقابة والأداء الحكومى.
• جشع التجار
وأضاف «عبده»: إن ما يهم المواطن هو الإحساس بالأمان وتوفير المسكن والمأكل والمشرب، وإلغاء الدعم عن المواطن وإبداله بدعم نقدى له مشاكل سلبية لا يتأثر بها إلا المواطن الفقير. ويؤدى إلى ارتفاع الأسعار فى الوقت الذى يعانى فيه الفقراء من زيادة على جميع السلع غير المدعمة. مشيرًا إلى أنه فى هذه الحالة يجب على الدولة رفع أجور الموظفين وإيجاد حلول تقدمها للمواطن البسيط وأصحاب المهن الحرة لتعويضهم عن الدعم مع اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد التجار الجشعين فى تخفيض السلع والتلاعب بقوت الفقراء. وإعطاء المواطن ما يفوق ثمن السلع خارج البطاقة التموينية حتى يستطيع تلبية احتياجاته الشخصية. ولفت إلى أن وزارة التموين توفر للمواطن سلعًا لا يحتاجها بقدر ما يحتاج للسلع الأساسية من زيت وسكر وأرز بدل الصابون والشامبو.. إلخ.
وأكد «عبده»، أنه يوجد عدد كبير من سكان مصر ينفقون نحو 50% من أجورهم على الطعام، ويعتمدون فى الغالب على الأطعمة المدعمة، وأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذى تشهده الأسواق هذه الأيام لا مبرر له سوى استغلال وجشع القطاع الخاص. وأن الحل لضبط الأسعار يكون بتكفل الدولة بشراء المواد الغذائية بالاتفاق مع وزارة التموين واتحاد الصناعات على ألا يزيد هامش الربح على 30% سواء للدولة أو للمستورد الخاص ويتم بيعها فى المجمعات الاستهلاكية. والتاجر الذى يخالف هامش الربح يتم وضعه فى القائمة السوداء تحت اسم التاجر الجشع ويتم رسميا إبلاغ جميع وسائل الإعلام المختلفة، وبالتالى لا يتعامل معه المواطنون.
• حرية المستهلك
وقال الخبير الاقتصادى د. سرحان سليمان: إن الدعم النقدى يعطى للمستهلك الحرية فى الحصول على السلعة فى الوقت المناسب له، وحسب تفضيلاته واختياراته، وبالتالى سيخلق ذلك ضغطاً على بعض السلع فى بعض الأوقات نتيجة زيادة الطلب على سلع معينة أو فى أوقات معينة، مما سينتج عنه ارتفاع فى أسعارها بشكل كبير.. وبذلك تختفى آثار دعم هذه السلع ولا يصبح للدعم النقدى أهمية أو تحقيق للغرض المعمول من أجله.. أما الدعم العينى فهو إجبار المستهلك على اختيار السلع فى توقيت معين وتحديد رغباته وفقاً للمتاح من السلع، وبالتالى تظل أسعار هذه السلع فى حدود المعقول فتحدث نوعًا من الدعم بحصول المستهلك عليها بأسعار أقل من السعر السوقى.
بمعنى أن الدعم النقدى سيؤدى إلى اختفاء أثر الدعم بالتدريج وسيشتكى الفقراء من عدم القدرة فى الحصول على السلع بالأسعار المدعمة، أما العينى فهو محكوم بتوقيت واختيارات للمستهلك وضعتها الجهات المنظمة.
أما مثلا منظومة النقاط بالعيش فأعطت حرية للمستهلك للاستغناء عن سلعة واختياره لأخرى، لكنه فى ذات الوقت محدد له السلع التى يمكن الحصول عليها نظير استغنائه عن الخبز وفى توقيت معين. •