هل المشكلة هى قلة الموارد؟ هل أزمة مصر وشعبها هى أن الرزق قليل والموارد محدودة، حتى إذا زادت هذه الموارد أمكن للشعب أن يأمل فى الرخاء، وأن ينعم مثل باقى خلق ربنا بناتج ثروته وخيرات أرضه؟
لا أظن.. فلو فرضنا، على سبيل المثال، أن الأرض تفجرت من تحت أيدينا نفطاً وغازاً وزيتاً وقطراناً فهل يجنى المواطن المصرى شيئاً من أنهار النفط كما ينعم المواطن الخليجى مثلاً؟
وهل إذا تفجرت ينابيع الماء واكتشفنا خزاناً جوفياً للمياه يكفى لزراعة مائة مليون فدان مع إمكانية الدفع بعشرين مليون مواطن خارج الوادى الضيق لينشئوا جنة خضراء ويزرعوا كل المحاصيل من قمح إلى ذرة وشعير ومن خضر إلى فواكه.. هل إذا غرقنا فى المياه العذبة وصار بإمكاننا زراعة عشرات الملايين من الأفدنة.. هل يتغير حال المصريين وينتقلون من حياة الذل والمهانة والتسول ليصبحوا مثل المواطن الأوروبى الذى يزرع الأرض ويعيش من خيرها فى رغد وبحبوحة؟
للأسف، لا أعتقد أن شيئاً من هذا يمكن أن يفيد أو ينفع المواطن المصرى. فبفرض أن المعجزة تحققت وأمكن لنا أن نستخرج خمسين مليون برميل من النفط كل يوم فإن المستفيد فى هذه الحالة سيكون الشريك الأجنبى الذى سيحصل على الجانب الأكبر من الغنيمة، أما حصتنا المحدودة فسوف يتم اقتسامها بين جانبين: الجانب الأول لن يخرج عن نادى إنبى الرياضى ونادى بترول أسيوط ونادى مازوت مسطرد ونادى كيروسين شبرا الخيمة، وستذهب فلوس النفط إلى اللاعبين والمدربين والمعلقين وصعاليك الاستوديو التحليلى. أما الطرف المحظوظ الآخر الذى سوف يستفيد من الاكتشافات البترولية الهائلة على أراضينا فهو الصديق الإسرائيلى الذى سيحظى عندئذ ليس بغاز رخيص وبترول بتعريفة فقط، لكنه قد يحصل على البترول بالمجان بعد أن تقوم معاملنا بتكريره وتوصيله فى أنابيب إلى المستوطنات المقامة على الأرض العربية المحتلة حتى تحصل مصانعهم على كفايتها وينعم المستوطنون اليهود ببترول وغاز مصر!.
أما فى حالة العثور على الماء واستصلاح عشرات الملايين من الأفدنة فلن يكون للأسف لشباب مصر نصيب فيها، لأنها فى الغالب ستذهب إلى المستثمرين العظماء الذين لا يصرفون مليماً واحداً فى مصر، وربما يفكرون فى تقديمها للمستثمر المتأفف الذى منحوه أرض توشكى بالمجان فلم يزرعها، وقال إن العقد لا ينص على ضرورة زراعتها! ورغم ذلك أتوقع أن يبوسوا أعتابه حتى يرضى أن يأخذ خمسين مليون فدان مروية ومزروعة وما عليه سوى أن يقطف ثمارها ويبيعها وحلال عليه فلوسها، لكنه مع ذلك سيتركها تبور ولن يزرع منها فداناً واحداً! وإذا تبقى شىء من الأرض بعد ذلك فسوف يتم منحها لأحد التايكونات وسيُكتب فى عقد البيع أنه ليس مضطراً لزراعتها إذا كانت الزراعة تضايق سيادته أو تسبب له حكّة أو تجعل أسنانه تضرس!
هذه هى الحقيقة بدون أى مبالغة.. ليست المشكلة هى نقص الموارد، لكنها رغبة السلطة فى إهانة وإذلال المواطن المصرى ومنح خيره للغرباء أمام عينيه ثم الاستمتاع برؤية الحسرة تقتله والكمد يفترسه!