عباس الطرابيلى
مساعدات الأشقاء.. أين ذهبت؟
وقفت طويلاً أمام ما نشرته «المصرى اليوم» أمس عن إجمالى المساعدات الخارجية التى حصلت عليها مصر خلال ست سنوات.. وتصل إلى 31 مليار دولار، وأبرزها من السعودية والإمارات والكويت وليبيا. وكيف أن عام 2013 كان الأعلى بقيمة مساعدات بلغت 12.5 مليار دولار.
وما شدنى هو موقف الأشقاء، الذين أسرعوا لمساعدة مصر حتى تقف على قدميها، بعد أن اتضح عمق المؤامرة على إسقاطها بأى ثمن.. ومعرفة أن سقوطها يعنى - بالتالى - سقوطهم هم أيضاً.
المهم لن أسأل - كما يسأل المغرضون - أين ذهبت كل هذه المليارات وهى تصل بالعملة المصرية إلى أكثر من 370 مليار جنيه.. فقد كانت هذه المليارات عبارة عن طوق نجاة يتلقاها المعَّرض للغرق.. وهل يكفيه أن يطفو فوق السطح، أم يصل إلى بر الأمان.. وإذا كان المغرضون يتحدثون عن إنفاق رهيب يصل إلى حد البذخ، ومساعدة للمطحونين.. فإننى أتحدث عن القيمة المضافة التى عادت على الوطن من هذا المبلغ الهائل، أى 31 مليار دولار.. وأعلم أن حصة كبيرة منه ذهبت لزيادة الرواتب التى زادت من 90 مليار جنيه إلى 220 ملياراً فى نفس الفترة.. وتعيين 900 ألف شخص فى الجهاز الحكومى دون حاجة لهم.. وأعلم أن الدولة كانت مضطرة لذلك بسبب الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات.. ولكن وبأى مقياس اقتصادى كانت هذه الخطوة خطيئة رهيبة لأنها امتصت معظم هذه المساعدات.. وأيامها كتبت صارخاً: إياكم وإلقاء هذه المليارات فى بلاعة الحكومة.. لأنها بلاعة بلا قاع، حتى ولو كان حجم هذه المساعدات أضعاف ما حدث.
ولكن الدولة كانت مضطرة.. كانت تريد تعويض الشعب عما حدث له طوال سنوات سابقة.. فما قامت الثورات إلا لتحسين أوضاع الناس.. ولكن هل كان الحل هو مجرد تعويض الشعب.. أم أن الحق كان يقتضى أن يقابل الناس هذه المساعدات «الحكومية» بزيادة موازية فى الإنتاج.. لأن الإنتاج القومى وحده هو الذى يحقق ذلك.. ولكن المأساة أن الشعب واصل بالفعل سياسة «الكسل القومى» ونسى تماماً عظمة «الإنتاج القومى» فكان أن تزايدت فجوة العجز المالى الرهيب.. حتى إن كارثة تزايد حجم الواردات وصلت إلى حوالى 80 مليار دولار بينما انخفض حجم صادراتنا إلى أسوأ مستوى، وهو 19 مليار دولار، وهذا أهم أسباب الكارثة الاقتصادية التى تعادل تقريباً ما حدث لنا عام 1981، ولولا البرنامج الاقتصادى الكبير الذى وضعه ونفذته حكومة الدكتور عاطف صدقى لنزلت مصر أسفل سافلين.
المهم هنا هو كيف نرد على المتشككين أو المغرضين، ومازال سؤالهم معلقاً: أين ذهبت كل هذه المساعدات الخارجية التى كانت عبارة عن محاليل جلوكوز للجسد المصرى الذى دخل غرفة الإنعاش؟.. وكان علينا فهم أن هذه المساعدات لن تستمر إلى الأبد.. بل إلى أن نقف على أقدامنا.. وأن نحسِّـن من إنتاجنا ويعود الشعب إلى العمل الحقيقى.. ونقول للأشقاء: شكراً..
■■ وأعلم- شخصياً- أنه كان يجب تقديم بعض المساعدات للناس.. ولكن لفترة محدودة.. وليس على امتداد ست سنوات، وناديت كثيراً قائلاً: يجب توجيه معظم هذه المساعدات الأجنبية إلى نوعين من الاستثمار.. الأول: مشروعات سريعة العائد حتى نستطيع أن نردها للأشقاء مشكورين وليس فى مشروعات طويلة المدى.. ولا يكفى عائدها سواء فى تغطية فوائدها.. أو لسداد أصلها.. والثانى: مشروعات كثيفة العمالة لنواجه تزايد طوابير العاطلين وطوابير الخريجين الجدد، ولكن لا هذه صلحت معنا، ولا تلك، وكان أن ذهبت معظم هذه المساعدات لتغطية العجز فى الموازنة.. وسداد فواتير الاستيراد المتزايدة عاماً وراء عام.. وكان ذلك خطأ رهيباً.
■■ الآن، وقد انخفض حجم المساعدات الخارجية لمصر من حقنا أن نطالب الحكومة بكشف حساب، مهما كان قاسياً.. لكى نقول للشعب أين ذهبت كل هذه المساعدات، وهى حوالى 370 مليار جنيه، فى السنوات من 2011 إلى 2015.. نقول ذلك للشعب المصرى.. ونقوله أيضاً للأشقاء الذين وقفوا معنا.. وللأسف لم نفعل هذا.. ولا ذاك.
■■ وزادت حدة تساؤلات المغرضين.. فهل لا نملك فعلاً القدرة على الرد، أى توضيح الحقيقة.
قولوا للناس.. وهم مستعدون للاستماع.. لكن لا تتركوا الناس تضرب أخماساً فى أسداس.. أو على الأقل يعرف الأشقاء.. أين ذهبت مساعداتهم لنا.