أجرى مجلس النواب استطلاع رأى على صفحته حول أهم الإنجازات التى قام بها خلال الأشهر الأخيرة، الموضوع أثار سخرية البعض، حيث لم يروا للمجلس أية إنجازات، فى حين نوه البعض إلى إنجازات أخرى، لم يذكرها الاستطلاع، مثل الدور الذى قامت به لجنة «تقصى القمح» فى كشف عمليات الفساد فى التوريد، بالتزامن مع ذلك كشفت وزارة التعليم عن تراجعها عن القرار البات بإلغاء امتحانات «الميدتيرم» لطلاب الابتدائية والإعدادية، وأعلنت عن اتجاهها لاستطلاع رأى المعلمين وأولياء الأمور قبل تطبيق القرار، ما يعنى التراجع بشكل «شيك» عن القرار.
الكثير من القرارات التى تهم الناس لا بد فيها من العودة إلى الناس، وتقييم أداء مؤسسات الدولة أساسه درجة رضاء المواطن عنها. فى هذا السياق نستطيع أن نفهم قيمة وأهمية استطلاعات الرأى. فى كل دول العالم تستند الحكومات التى تحترم شعوبها إلى استطلاعات الرأى، وتجعل من نتائجها أساساً لما تتخذه من قرارات. وقد كنت أتوقع أن تُنشأ مراكز حقيقية لاستطلاعات الرأى، بعد ثورتين قام بهما هذا الشعب، كانت النتيجة الأهم التى ترتبت عليهما إعادة الاعتبار والقيمة للمواطنين العاديين فى معادلة السياسة، لكن ذلك لم يحدث.
سيقول البعض إن لدينا مراكز تقوم بدورها فى هذا السياق، وهو كلام صحيح، ومع تقديرى للجهد الذى تقوم به إلا أنها ليست بريئة بحال من شبهة «التسييس»، الأمر الذى يؤدى فى بعض الأحوال إلى التحفظ على نتائجها، ناهيك عن الاطمئنان إلى مستوى السلامة فى الإجراءات المنهجية التى تعتمد عليها فى سحب العينات واستخلاص النتائج. والأخطر من ذلك أن تقوم الجهة التى تريد تحديد رأى الجمهور فى مستوى أدائها أو موقفه من أحد قراراتها بإجراء الاستطلاع بمعرفتها!. منطق العلم يقول إن الاستطلاعات لا بد أن تقوم بها جهات علمية محايدة مستقلة، لا ناقة لها ولا جمل فى النتائج، بحيث نستطيع الثقة فى الاستطلاعات التى تجريها.
لا نستطيع أن نقول إن ثمة مراكز استطلاع رأى مستقلة فى مصر بإمكانها أن تجيب عن السؤال القديم المتجدد: «الناس عاوزة إيه؟». وهو واحد من أهم الأسئلة التى تؤسس الحكومات الرشيدة قراراتها طبقاً للإجابة عليها. لا يوجد لدينا مراكز استطلاع رأى تماثل المراكز التى تنتشر فى العديد من الدول المتقدمة، ليس بسبب نقص الإمكانيات أو الكوادر، ولكن بسبب غياب «الاستقلالية». وإذا غابت الاستقلالية ضاعت الموضوعية، وهو الأمر الذى يدفع البعض إلى اللجوء إلى استطلاع الرأى على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث نواجه بمشكلة أخرى تتعلق بمدى علمية العينة التى تم استخلاص النتائج منها؛ لأن جمهور التواصل الاجتماعى لا يمنحنا، فى أغلب الأحوال، تمثيلاً دقيقاً لكل أطياف وفئات المجتمع.
فى تقديرى أن جانباً كبيراً من حل معضلة الاستقلالية يرتبط بالجامعات، فبإمكانها أن تنشئ مراكز لاستطلاع الرأى، تستفيد فيها مما يتوافر لديها من إمكانيات وموارد، على أن تعمل هذه المراكز بعيداً عن أية استقطابات، ويتحقق لها المستوى المطلوب من الاستقلالية، بحيث تستطيع أن تقدم نتائج واقعية وحقيقية، تمكن الرسميين من ترشيد القرار، وتكشف فى الوقت نفسه ابتعاد بعض المؤسسات عن الناس.. واللى الناس عاوزاه!.