عباس الطرابيلى
هموم مصرية.. يسقط التوقيت الصيفي
احترت، واحتار دليلي، ودليل كل المصريين مع كل الحكومات المصرية السابقة.. في نقطة شديدة الهيافة، هي حكاية: التوقيت الصيفي.
إذ من هذه الحكومات من تؤيد - وتنفذ- تعديل التوقيت صيفاً.. بحجة تخفيف استهلاك الكهرباء.. ودعوة المصريين إلي العمل مبكراً.. ونهاية يوم العمل مبكراً.. ومنها من لا يري فائدة من تعديل هذا التوقيت.. فالشعب الذي يريد العمل، أو يعشقه، سوف يعمل ويجد.. أما من يهوي الكسل فلن تنفع معه هذه التعديلات..
<< ومناسبة هذا الكلام أن المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، أعانه الله علي أعباء هذا المنصب، مما اضطره إلي أن يعمل 72 ساعة كل يوم ولا يدخل مكتبه إلا قليلاً، أما وقته كله فإنه يقضيه بين الناس، في كل مكان في مصر.. بل وخارج مصر.. وهو نموذج للمسئول الذي يعمل بعشق لدرجة أن البعض يعتقد أن له عدة بدائل، يعني هناك إبراهيم محلب يوزع عليهم العمل.. وهو في رأيي، نموذج لما يجب أن يكون عليه المسئول بل وكل مصري - مثله - يعشق هذا الوطن..
<< المهم أن أصحاب فكرة العمل بالتوقيت الصيفي يرون أن المصري في الصيف مادام هو ابن المصري الذي كان يسبق الشمس في شروقها.. ويسابق الطيور في الابكار بالعمل، ومن الفجر.. يجب أن يستعيد قيمة العمل المبكر وهذا هو أولي مزايا صلاة الفجر.. حتي يستفيد المصري من ضوء الشمس التي تشرق بعد الساعة الخامسة بقليل.. فلماذا لا يعود المصري إلي العمل المبكر.. وأن ينتهي من عمله - أيضاً -مبكراً بعد غروب الشمس، ولو بقليل.. أي للاستفادة ما أمكن من ضوء الشمس..
والغريب أن شعوب العالم - المتحضرة - تعرف هذا المعني.. فالعمل فيها كثيراً ما يبدأ في الساعة السابعة، أو الثامنة.. ويستمر في العمل حتي الساعة السادسة مساء.. أليست هذه هي ساعات شروق الشمس، حتي في شعوب لا تعرف صلاة الفجر؟! ويحصل العامل هنا علي ساعة - في منتصف النهار لتناول وجبة طعام خفيفة، أو أي شراب منشط.
<< ولما كان انصار التوقيت الصيفي يتحدثون عن توفير استهلاك الكهرباء للمحال والبيوت.. فلا فائدة من هذا القرار.. لانه ليس عندنا ما يحدد ساعات اغلاق المحلات.. ولا تحديد لمتوسط الاستهلاك ولا البهرجة والاسراف ثم إن الاستهلاك المنزلي، سوف يزداد، لأن «غاوي» السهر سوف يستمر يقلب في قنوات التليفزيون حتي الساعة الثانية بعد منتصف الليل.
ولكن هل يمكننا أن نخفض استهلاك الكهرباء في المصانع التي تعمل 24 ساعة يومياً - وهي الاكثر استهلاكاً للكهرباء؟ وهل سوف تخفض متوسط الاستهلاك في مستلزمات الري والحصاد والتخزين والتبريد للمنتجات..
وهذه كلها هي أكبر مستهلك للطاقة: أي الصناعة والزراعة وأجهزة التكييف! هنا مربط الفرس..
<< وأتذكر أن الحكومة في أربعينيات القرن الماضي فكرت في هذا النظام.. وكان الرد أن يذهب التلاميذ إلي مدارسهم في السابعة بدلاً من الثامنة أي نعود لنسبق الطير في العمل.. وتلك هي القضية.. أما فلاحو اليوم فإنهم «مسمرون» أمام شاشات التليفزيون يتابعون كل «هشك بشك».. يشربون الشاي والشيشة والجوزة، فالقرار هنا هو تحديد ساعات الارسال لكل القنوات، حتي ولو كانت خاصة.. مع اجبار المحلات بتخفيف الاحمال وتركيب اللمبات الحديثة الموفرة وتحديد معدل الاستهلاك..
والأهم: تحديد ساعات العمل.. وهي في الدول المتقدمة ينتهي الدوام في الساعة السادسة.. أما محال البقالة والمطاعم فتستمر بعد ذلك ساعتين ولا تتأثر المصانع وأماكن الانتاج.
<< ولكن المشكلة هي أيضاً في تصاعد الاستهلاك الحكومي من انارة شوارع ومكاتب الحكومة التي تضيء أنوارها - ونحن في عز النهار - تماماً كما تنار الشوارع بالنهار.. وكثيراً ما تنطفئ في الليل! وكذلك اجهزة التكييف تماماً كما تستمر موتورات الاتوبيسات الحكومية تعمل، حتي وهي في الجراجات.
<< القضية هي في معدلات الاستهلاك.. وفي أن موظفينا يجب أن يذهبوا إلي عملهم في السابعة.. والسابعة بالضبط.. وأن يعملوا بالفعل لا أن يصلوا إلي مكاتبهم في التاسعة.. وإذا ذهبوا فإنهم لا يعملون، كما يجب..
هي إذن قضية الايمان بالعمل.. وأن «يحلل» المصري الراتب الذي يأخذه.. بأن يجعل عمله حلالاً.
<< وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون.. صدق الله العظيم.