كنا فيما سبق لا نسمع السب. والقذف. الذي يتناول الأم والأب إلا بين الغوغاء. وسكان الجحور. والقرداتية. وسفلة الناس. يأبي أصحاب الذوق الرفيع. التفوه بها. أو حتي سماعها. كان الناس في الأغلب الأعم في هذا الوطن. يترفع عن أن يكون متفوهاً بألفاظ تخدش الحياء. تمس الأم وعرضها. لكن المشاهد المسموع الآن أن سب الأم بأقذع الألفاظ وأسوأها شيء شائع منتشر بين كثير من فئات الشعب. فلا تكاد تسير في الشارع حتي تسمع من الكافة تبادل السباب.. تسمعه بين سائق تاكسي وآخر وبين راكب وسائق وبين الطلاب من البعض للبعض الآخر حتي في حالات الهزار. واللعب. بعد أن كان ذلك يقتصر علي الفئات السابق ذكرها. أصبح تبادل الشتائم بألفاظ تقع تحت طائلة القانون شيئاً مستساغاً. وينتشر انتشار الوباء بين جميع الطبقات والفئات.. لا فرق بين موظف وغيره ولا بين مدرس وطالب. وعربجي وذي الملابس الثمينة.. الأخلاق تهدمت. والحياء ضاع. والمروءة انحرفت علي أيدي الكثير من أفراد هذا الشعب.. لا إعلام يوجه. ولا مدارس تربي. ولا أسرة تحمي نشأها وترعاه.
تركوا الشباب والصغار للشارع يتلقون حرية الفوضي. وروح الإجرام تجمعهم المقاهي التي سميت كافيه. وترعاهم نواصي الشوارع علي التسيب يملأون الطرق المزدحمة بالمحلات التي يقصدها الفتيات والسيدات لشراء ملتزماتهن. يرقبون الرائحة. والغادية ويمطرونهن بألفاظ تخدش الحياء. وتضحك من تضحك لتلفت الأنظار أو تستاء المحترمة التي تخشي السير في الطريق وحدها دون من يحميها من الغوغاء والدهماء. فلا تملك إلا أن تغضب. وأحيانا تبكي مما تسمعه من ألفاظ تعف الآذان عن سماعها.
تناول في كل صغيرة. وكبيرة بالسب. والشتم غالباً. أو في التعبير عن شيء أحيانا. أصبح شيئاً مشاعاً علي ألسنة الكافة. وكأن الأم هي من يستحق كل هذه البذاءات. في مجتمع تمزقت فيه الأخلاق. وضاعت فيه الغيرة. وانتشر فيه التسكع. والسهر حتي الصباح. بلا هدف أو سبب.
بعض المثقفين ومنهم بعض المذيعين في البرامج إذا أراد أن يعبر عن استيائه من شيء. يقول أنا لا أريد أم هذا الشيء أو أنا "زهقت" من أم كذا.. أو أن أم كذا سببت له صدعا.. وهكذا.. وكأنه يعوض رغبة ملحة لديه في سب أم ما يتحدث عنه. فيغلف حديثه بهذه التعبيرات.
سمعت مذيعاً يقول: أنا مش عايز أروح أم المكان الفلاني.. يقصد مكاناً إدارياً بالدولة.. والناس حين تسمع مثل ذلك متداولاً علي الألسنة يصبح كأنه شيء مألوف لا فجاجة فيه ولا استنكار له.
المقاهي "الكافيهات" في طول البلاد وعرضها. أصبحت مأوي للشباب والفتيات كل يقضي وقتاً طويلاً بلا فائدة سوي شد الأنفاس من الشيشة التطور الحديث "للجوزة" في مقهي بحبح أو الواحد حنجورة. والفرق في الشكل إنما المضمون واحد. وهو حرق الدخان والصدر والقلب والرئتين.
ضياع للصحة. ضياع للأخلاق.. ضياع للوقت. ضياع للكرامة بأحاديث تمتلئ سباً وقذفاً بدعوي الهزار. وخفة الدم.
أين إعلامنا الذي تقع علي كاهله مسئولية توجيه أبناء هذا الوطن إلي الرقي. والاحترام. وبث الثقافة الرفيعة في عقول الناشئة. بل والكبار أيضا. أين دور الجهاز السحري "التليفزيون" صاحب أكبر قوة تأثيرية في النفوس. أشد تأثيراً من الصحف المقروءة أو الكتاب الذي هجرته عقول مصرية لا تعرف قيمة الوقت. وقيمة هذا الوطن. أين تأثير هذا الجهاز في سلوك الناس. وتربيتهم.. نعم للمنزل دور وللمدرسة. بل وللمسجد. ولكن أيا منهم لا يطاول دور جهاز التليفزيون.
هل يأتي اليوم الذي نري فيه عودة احترام الأم وعفة الألسنة نحوها وصيانتها عما يلحق بها الأذي علي ألسنة الأغبياء.