صابر شوكت
موت الإسكندرية وميلاد النخيل
عندما هربت من الإسكندرية بزبالتها وتكدس زحامها القاتل ومرافقها المنهارة وشواطئها المغطاة بأجساد المصطافين الغارقة في العرق رغم وجودهم بمياه البحر.. ودعت كل هذا الجحيم هاربا في طريقي إلي مرسي مطروح بحثا عن مصيف هادئ.. نعم أقطع مسافة خمسمائة كيلو متر هربا من جحيم مصيف الإسكندرية.. فإذا بصاحبي يفاجئني قائلا.. جرب تقطع مسافة عشرين كيلومتر وفقط إلي مصيف شاطئ النخيل التابع لجمعية ٦ أكتوبر لضباط القوات المسلحة عند الكيلو ٢١ طريق قاهرة الإسكندرية.. أي قبل الإسكندرية بعشرين كيلو.
وهناك فوجئت ان هذا المكان موجود من ربع قرن وأنا لا أعلم عنه شيئا.. كنت اتخيله منتجعاً أو شاطئا معزولاً فإذا هي شبه مدينة سياحية تقع علي أكثر من عشرة آلاف فدان.. بمباني فاخرة أنيقة موحدة جميعها علي طول الشواطئ بارتفاع خمسة طوابق.. وبدا يتسلل لها أبراج عشرة طوابق بالشوارع الخلفية كاقصي ارتفاع.. وشارع تجاري رئيس يشبه تماما شارع خالد بن الوليد التجاري الشهير بشاطئ ميامي بالإسكندرية.. والأغرب ان جميع الكافيتريات علي شاطئ البحر مباشرة وشارع الكورنيش الذي يفصل بينها والشاطئ.. محظورا تماما مرور السيارات أو أي سائل نقل أخري.. وشواطئ رملية متعددة علي مرمي البصر.. تمتد عليها شماسي المصطافين حتي الصف الثالث لتكون هذه هي قمة الإزدحام خاصة يوم الجمعة.. وخلفها البلاج الرملي خالي بامتداد البحر بمساحة شاسعة.. وأمامنا شباب الانقاذ منتشرون بالموتوسيكل المائي حتي العشاء.. يعني امان تام في شارع الكورنيش وداخل البحر خاصة بعد حادث الغرق الشهر الماضي بالإسكندرية والنخيل وفي المساء.. تمتد المسارح الفنية أمام الكافيهات علي شاطئ البحر بأسعار مقبولة تسهر بها العائلات حتي الصباح.
الخلاصة.. وجدت نفسي فجأة بشاطئ النخيل وكأنني في شاطئ ميامي سيدي بشر بالإسكندرية منذ ٤٠ عاماً.. هذا حلم حقيقي اليوم يستحيل تحقيقه بالإسكندرية ولكني أحققه هنا في النخيل.. لا يوجد سوي شاطئ خاص وحيد وعلي أرقي مستوي بعشرة جنيه للفرد.. أما بقية الشواطئ فهي ملكنا مجانا.. تستطيع أي أسرة بناتها وأبنائها في أي وقت يصحب شمسية وكرسي ويجلس كما يشاء علي شاطئ البحر.. ويسبح بأمان دون سطوة بلطجية الشواطئ الذين سيطروا علي شواطئ الإسكندرية.
إنني عشت بنفس لحظة موت الإسكندرية وشواطئها.. وكذلك مولد شاطئ النخيل الساحر بالصدفة.. وعرفت ان شاطئ النخيل كان يضاهي شواطئ أوروبا حتي عام ١٩٩٧ عندما تأمرت حكومات مبارك علي هذا الانجاز.. وقرروا ضم النخيل إلي المحليات ومحافظة الإسكندرية.. ومن وقتها بدء يضربها الإهمال.. من زبالة وناموس وسط تآمر محليات الإسكندرية علي هذه المدينة الساحرة في عمليات سرية لحساب عصابات ومافيا الاراضي بالإسكندرية حتي هذا العام لتبلغ الشقة المخالفة بالإسكندرية لمليون جنيه.. ومثيلها المرخصة بالنخيل ربع ثمنها.. لذلك تحالف مافيا محليات الإسكندرية ومسئولوها بالمحافظة مع «عصابات الكواحيل» لقطع المياه عن النخيل وقتل هذا المصيف البديل.. وهذا قصة أخري سنكشفها مقبلا. المهم التقيت بجمعية ٦ أكتوبر للنخيل باللواء أركان حرب «حمدي مرعي» رئيس الجمعية واللواء وصفي نائبه واللواء السنان المشرف المالي.. أكدوا بالفعل أن هناك حربا علي النخيل من مسئولي الإسكندرية.. بدليل الجمعية نفذت شبكة الصرف بـ ٤٥ مليون.. ولا تريد استلامها إلا بعد أن ندفع إتاوة ٩٠ مليونا .. وبالعافية دفعنا ١٥ مليون.. وبعد شهور سنتفق مع شركة كيرسرفيس للنظافة.. واقامة ٣ خزانات مياه لتوفير مصيف راقيفي العام القادم يليق بالنخيل المولود الجديد.