إذا سلمنا بأن الإرادة هي تصميم واع علي أداء فعل معين.. فإن تعيين الفعل يقتضي تحديد الهدف وحشد وسائل تحقيقه.. وعلي عكس ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت" من انه لا إرادة حيث لا استطاعة. تؤكد مشاهداتنا وتجاربنا الانسانية انه لا حاجة للإرادة متي كانت الاستطاعة متوافرة.. فلا تبدو أهدافا تدور حول الاعتقاد بتحقيق المنافع محلا للخلاف بقدر استصعاب الطريق والشك في امتلاك الوسائل.. إذا فالحاجة الحقيقية للإرادة تبرز حينما تكون الاستطاعة محل شك. شرط أن تكون الأهداف واضحة والغايات قد تحددت. وتكون المهمة الأولي للإرادة حينئذ هي حشد الوسائل وتحقيق الاستطاعة لانجاز الغاية وليست الارتباط بها وجودا وعدما.
إنما لا إرادة متي كانت الأهداف غائبة أو حتي ضبابية.. الإرادة تمرض ولا تموت.. جروح الإرادة وعيوبها علي المستوي الفردي تحددها القوانين بأشياء مثل الاستغلال والإكراه والغبن والغش والتدليس. بعضها يبدو كفيروسات متحورة تنتقل من الإنسان لتصيب كيان الدولة وإرادتها السياسية.. تزين الدساتير ديباجاتها بعبارات أن السيادة للشعب بينما واقعيا تنسخط الشعوب إلي فرق من المقيدين في جداول الناخبين. ويبصم الناخبون اصحاء أو مخدوعين أو مكرهين صكوكا بتفويض السيادة والإرادة والقرار لفرد أو أفراد ونخب من الحكام أخيار حافظين للعهد مراعين لأمانة التفويض. أو أشرار مضروبين بالاستبداد.. نخر فيهم سوس الفساد فافقدهم الرؤية. وتلك هي العيوب القاتلة لإرادة الفعل السياسي التي استطاعت تفكيك دول وليس فقط اتعاس شعوب وتحطيم آمالها في التنمية والكرامة والرفاهية.
دعونا نهبط من فضاء الفلسفة إلي أرض الكنانة حيث يمكنك أن تسمع حلولا منطقية لكافة متاعب الوطن ليس فقط من مئات الخبراء والمثقفين في الجامعات ومراكز الابحاث والدراسات بل من آلاف البسطاء علي المقاهي وفي البيوت والشوارع والمصانع والمزارع والحقول.. إن مشاكلنا معروفة وحلولها باتت محفوظة.. إنما ينقصنا إرادة الفعل. وهو أمر لا يملكه البسطاء ولا الخبراء.. انه قرين السلطة لا يغادر أصحاب القرار.. فلنسأل الله لنا ولهم العافية والشفاء من كل داء.
** الحلول الجذرية مثل استئصال الأورام تسبب آلاما مبرحة.. ورغم كل المتاعب والغلاء مازلت أري ضوءا في نهاية النفق.. نستطيع الاسراع في الوصول إليه إذا القي كل منا متاعبه واحباطاته الشخصية خلف ظهره واجتهد في أداء واجبه.
** في تاريخ الشعوب مراحل تحتاج فيها الدول إلي أبطال من صفوف الناس العاديين. إذا لم تجدهم في الواقع صنعتهم من الخيال.. ومجتمعنا طيب مليئ بأبطال الشوارع.. نصادفهم كل يوم ولا نلتفت إليهم.. أبطالنا المجهولون أب يكدح ليوفر لأبنائه اللقمة الحلال.. وأم ترضع أولادها الشرف والفضيلة.. وطبيب مازالت أتعابه خمسة جنيهات. وآخرون لا يحملون أوسمة لكن وجودهم شفاعة للإنسان.