المساء
ايمن عبد الجواد
باختصار - تجديد الخطاب الديني
القضية ليست صراعاً بين منفتحين ومنغلقين أو متشددين ومتساهلين كما يحلو للبعض تقسيمنا من جديد.
من تعاملوا مع برنامج "إسلام بحيري" بهذا المنطق أرادوا فقط ركوب الموجة مرة أخري بعد أن تجاوزتهم الأحداث ووجدوها فرصة لإذكاء نار الفتنة التي هدأت جذوتها وكأنه ينقصنا المزيد من الاستقطاب بعد ما مررنا به من استقطاب ديني وسياسي نخر - ومازال ينخر - في بنية المجتمع.
والقضية أيضاً لا علاقة لها بحرية الرأي والفكر مثلما يحاول هؤلاء تصويرها للتأثير علي الناس الذين اعتادوا الانحياز إلي الطرف المقهور حتي لو لم يكن الحق معه. تلك عادة المصريين في التعامل مع الأزمات حيث تحكمنا العواطف وليس العقل والمنطق.
ما جري ناتج عن التباس وسوء فهم سببه تصدي غير المتخصصين لقضايا معقدة شديدة التخصص ولا يتم طرحها في العادة إلا في قاعات المحاضرات. ولأسباب تسويقية لها علاقة بنسبة المشاهدة وليس التأصيل العلمي لجأت بعض الفضائيات إلي إثارة تلك الموضوعات لتحدث حالة من البلبلة وتقوم الدنيا نتيجة انزلاق بعض الجهلاء إلي الهجوم علي الدين نفسه وليس الخطاب الديني فحسب.
لا خلاف علي مبدأ تجديد الخطاب الديني فقد قام به العلماء علي مر تاريخنا والإسلام لم يضع حواجز أو قيوداً تمنع البحث والاجتهاد ولم يعط لأحد من السابقين حصانة من النقد أو مراجعة وتنقيح ما تركوه من تراث و"الله يبعث علي رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها" كما جاء في الحديث الشريف.
المهم ان يتصدي لتلك المهمة الثقيلة علماء مؤهلون مشهود لهم بالعلم والتقوي حتي لا يتحول الأمر إلي فوضي. وان نتأدب عند الحديث عمن سبقونا ونذكرهم بما يليق باجتهادهم وعلمهم حتي لو اختلفنا معهم في بعض القضايا فقد تحملوا الكثير ليحافظوا لنا علي مبدأ التعدد وحرية الفكر والرأي.
الإمام مالك علي سبيل المثال تعرض للسجن والتعذيب لأنه وقف في وجه الحاكم "الخليفة أبوجعفر المنصور" ورفض فرمان الخليفة بإلغاء المذاهب الأخري والاكتفاء بكتابه "الموطأ" ولم يتنازل عن رأيه حتي مات حماية لحق الأجيال التي تأتي بعده في ان تستمع وتقرأ لآراء غيره من الأئمة والفقهاء.
وهو - رحمه الله - القائل: كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار إلي قبر النبي صلي الله عليه وسلم. فلا قداسة أو عصمة لأحد سواء من التابعين أو حتي الصحابة رضوان الله عليهم.. هكذا كان يري الأئمة والمحدثون علي مر تاريخنا والأدلة علي ذلك أكثر من ان تحصي.
المهم أن نعلم ما يجوز وما لا يجوز الخوض فيه أو بالأحري من لديه القدرة علي الحديث في تلك الأمور وإزالة الالتباس بين ما هو مباح ومندوب أو مكروه ومحرم. فالخطاب الديني يتغير بتغير الظروف أما الدين نفسه فهو ثابت إلي ان يرث الله الأرض ومن عليها.
الخلاف في الرأي أو المناقشات الساخنة التي أثارها برنامج "مع إسلام" كان يمكن تلافيها لو أننا فرقنا بين تجديد الخطاب الديني وجوهر الدين نفسه وهو الخلط الذي تسبب في تلك الضجة التي مازالت توابعها مستمرة.
تغريدة
إذا لم نتحد ونقف صفاً واحداً في وجه الطوفان. هل يمكن أن نتحدث بعد الآن عن الإخوة العربية أو المصير الواحد؟!!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف