مؤمن الهباء
شهادة - المتسلقون يكسبون!!
في تسعينيات القرن الماضي كنت عضواً في لجنة الإعلام بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية التي كان يرأسها الصحفي القدير والنقابي الشريف المرحوم الأستاذ جلال عيسي.. وفي مرحلة من المراحل بدا أن التقارير التي تقدمها اللجنة والمواقف التي تتخذها لم تكن علي هوي وزير الأوقاف الذي هو في الوقت ذاته رئيس المجلس الأعلي للشئون الإسلامية فأراد أن يحدث انقلاباً داخل اللجنة بطريقة ناعمة.. كان أعضاء اللجنة حوالي 12 عضواً وفي غضون أسبوع واحد فاجأنا الوزير بضم أكثر من 12 شخصاً آخرين.. ثم أعلن أنه اكتشف زيادة عدد أعضاء اللجنة ومن ثم يجب عليه إعادة النظر.. وكانت هذه فرصته للتخلص من العناصر المغضوب عليها أصحاب المواقف والإبقاء علي المرضي عنهم.. وهذا بالضبط ما فعلته الحكومة مع الأحزاب في جلسات الحوار المجتمعي بشأن تعديلات قوانين الانتخابات.. حيث وسعت دائرة المشاركين أكثر من اللازم.. فدعت شخصيات محترمة لها آراء ومواقف معروفة وموثوق بها.. لكنها وفي ذات الوقت دعت أحزاباً غير معروفة الهوية وشخصيات لا وزن لها في الشارع السياسي.. وكانت النتيجة أن اختلط الحابل بالنابل.. واختلفت الأحزاب وتضاربت مواقفها.. وفقدت جلسات الحوار معناها ودورها.. وعادت الكرة إلي ملعب الحكومة لكي تقوم بتعديل القوانين وفقاً لما تراه.
والرسالة التي وصلتنا من جلسات الحوار أن الأحزاب ضعيفة ومنقسمة ولا يمكن أن تتفق علي شيء.. وأن الأغلبية في هذا الحوار فضلت أن تترك مهمة تعديل القوانين بالكامل للحكومة.
لا أعرف إن كانت الحكومة قد قصدت أن تصل إلينا هذه الرسالة أم أنها لم تقصد.. إلا أن الزميل صفوت عمران أمين عام تكتل القوي الثورية الوطنية أكد فيما نقلته عنه الأهرام يوم السبت الماضي أن الخلافات والمشادات التي شهدتها جلسات الحوار ترجع إلي خطأ مجلس الوزراء في دعوة أحزاب وشخصيات الكثير منها مجرد متسلقين ومتطفلين في عالم السياسة ويبحثون عن "شو إعلامي" لا أكثر ولا أقل.. وهو ما يقلل من الثقة في الحكومة ورغبتها في إدارة حوار مجتمعي هادف يسعي إلي إدخال تعديلات دستورية تصب في صالح إجراء انتخابات نزيهة وتكوين برلمان يعبر عن طموحات شعبنا.
وقال عمران: طوال الوقت تثبت الأحزاب المصرية أنها ضعيفة وهشة وغير جديرة بالاحترام.. وتمنح الحكومة فرصة العمل منفردة في ظل تلاسن سييء بين قياداتها الوهمية المنشغلة بالتورتة أكثر من بناء الوطن.. وتوقع أن تكون نتيجة هذا الاختلاف أن تفرض الحكومة رؤيتها للتعديلات الدستورية محتجة بالخلافات الحزبية التي لن تخرج عن الإبقاء علي القوائم كما هي.. وكأن المقصود أن ندور في حلقة مفرغة..
ومن المؤسف أن ما توقعه الزميل عمران هو ما حدث بالضبط.. فقد كسب المتسلقون المعركة.. ونجحوا في أن يعيدوا الكرة إلي ملعب الحكومة.. حتي تتولي هي إجراء التعديلات الدستورية علي النحو الذي تراه.. وقد علقت "المصري اليوم" علي ذلك قائلة إن الأحزاب أبلغت رئيس الحكومة بأن الكرة في ملعبك.. أما "الشروق" فقالت إن لجنة الإصلاح التشريعي أدارت ظهرها للأحزاب ولم تأخذ بالمقترحات التي قدمتها في جلسات الحوار.. وانتهت اللجنة بالفعل من تعديل قانون انتخابات مجلس النواب حيث سيظل تقسيم النظام الانتخابي كما هو 80% للفردي و20% للقوائم كما كان عليه الوضع قبل إجراء الحوار المجتمعي مع القوي السياسية.
وشهد شاهد من داخل جلسات الحوار علي أن المتسلقين هم الذين لعبوا الدور الأهم في إفراغ الحوار المجتمعي من مضمونه وتشجيع الحكومة علي تجاهل اقتراحات الأحزاب.. حيث قال د. أحمد دراج المتحدث باسم تحالف "25 - 30" للمصري اليوم إن جلسات الحوار المجتمعي شهدت ضغوطاً من قبل بعض الأحزاب غير المعروفة للإبقاء علي القوانين كما هي دون تعديل فضلاً عن تأجيل الانتخابات وأحدثت ضجيجاً بالجلسات.