محى السمرى
في وقت واحد بدأنا والهند مرحلة التصنيع!!
زمان.. كنا نسمع عن الهند قصصاً وحكايات أشبه بالأساطير.. خصوصاً وأنها تشتهر بالعديد من الأديان خصوصاً الأديان الوضعية.. المهم.. هي شبه قارة كما درسنا في الجغرافيا.. وإن كنت أري أنها قارة بأكملها متنوعة في كل شيء في محاصيلها الزراعية ومنتجاتها الصناعية وعاداتها وتقاليدها.. إلي غير ذلك من مجالات الحياة العامة.
والهند من البلاد التي لها معزة خاصة في قلوب المصريين.. وكان رئيسها جواهر لال نهرو من أصدق أصدقاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهو الشريك الثالث له في إنشاء منظمة عدم الانحياز.. ودائماً وفي كل العصور فإن العلاقات المصرية الهندية تدور حول تعزيز وتطوير العلاقات علي جميع الأصعدة.. وقد أتيح لي فرصة ذهبية للسفر إلي الهند في زيارة تلبية لدعوة من الحكومة الهندية 1969 كانت علاقتي بالهند في هذه الفترة.. هي مقابلاتي المستمرة لبعض الساسة الهنود الكريشنامينون وعلي ما أذكر كان وزيراً لخارجية الهند.. وكان كلمت سافر إلي أوروبا أو إلي الولايات المتحدة.. يمر علي مطار القاهرة.. كذلك كنت أقابل مسز أنديرا غاندي.. ابنة جواهر لال نهرو.. ولم تكن قد وصلت بعد إلي المنصب الرئاسي .
المهم بدأت دعوتي للهند بزيارة مدينة بومباي ومن الوهلة الأولي شعرت انني في بلد به تناقض شديد.. ففي الطريق إلي قلب المدينة سرت علي أحد جانبي المحيط شاهدت أسراً بأكملها تنام في العراء علي أسرة مصنوعة من الجريد.. وطبعاً روائح كريهة تنبعث وتزكم الأنوف وما هي إلا لحظات وتبدل الحال ودخلنا في منطقة أخري كلها عمارات وفيللات فاخرة وشوارع واسعة.. حقيقة وجدتها في هذه اللحظة "بلاد الغني الكامل والفقر المدقع".. وتأكدت من ذلك عندما تمت دعوتي لزيارة بيت قديم ـ يبدو أنه أصبح متحفاً ـ لأحد أثرياء الهند أو واحد من المهراجا ـ كانت مقابض الحجرات من الذهب الخالص.. وكان البيت عامراً بالكنوز وكل ما هو ثمين وغال.
وطبيعي أن يكون هناك فارق كبير بين الهند الآن.. وما كانت عليه منذ 47 عاماً.. والواقع أنه قد تملكتني الدهشة والعجب عندما هيأوا لي زيارة لمصنع للسيارات.. وتساءلت بيني وبين نفسي لقد بدأت الدولتان مراحل التصنيع في وقت واحد تقريباً.. ولكن هناك فارقاً كبيراً بين مصنع السيارات الذي شاهدته ومصنع سيارات نصر في حلوان.. الأول إنتاج بمعني الكلمة كل المكونات أو معظمها من صناعة وإنتاج الهند أما نحن فإننا كنا نستورد كل مكونات السيارة ونقوم فقط بتجميعها في الوقت نفسه كانت هناك صناعات أخري هندية الصنع بصراحة واقع مختلف تماماً عن القائم عندنا وأتذكر انني نقلت هذه التساؤلات إلي السفير عباس حلمي الثاني سفير مصر في الهند في ذلك الوقت وكنت مدعواً للغداء عنده.. فقال لي هل نسيت اننا في حالة حرب نتيجة لنكسة 1967 واننا الآن في حرب استنزاف.. وكل الإمكانيات مسخرة من أجل هذه الحرب.. ومضي جناب السفير يقول بحنكة دبلوماسية رائعة.. وهل ننسي أيضاً اننا دخلنا حرباً في اليمن استنفدت منا جهوداً كبيرة لدرجة جعلت الصناعة عندنا تتراجع قليلاً وأصبحت كل الامكانيات حالياً مسخرة للمجهود الحربي.. ولكن الهند وجهت كل اهتمامها لمرحلة التصنيع والبناء وعرف الشعب أنه بدون العمل وجدية العمل لن ينصلح الحال.. وقد يصبحون مثل هؤلاء المساكين المقيمين علي طريق المحيط في بومباي.. ولهذا كنت أشاهد مع الساعات الأولي من الصباح أسراباً من الدراجات وعليها العمال تجري بسرعة في طوابير منتظمة في طريقهم إلي أماكن عملهم.
المهم حالياً.. ان الشعب الهندي اختار أحدث المهن العلمية وبرع فيها بشكل يوحي بأنها الدولة الأولي في هذه الصناعة وأقصد بها البرمجيات.
بصراحة أقول إن بناء الدول لا يأتي أبداً من فراغ أو تكاسل.. ولا يأتي أبداً بالاعتماد علي الغير.. ولا يتم أبداً باللجوء للدول الأخري لسد حاجة الشعب بكل ما يريد سواء من الغذائية أو المشروعات أو الصناعات لابد من الاعتماد علي النفس.. وهذا ما فعلته الهند وشاهدته علي الطبيعة.
وأتذكر أن أحد المستثمرين في مصر قال لي إنه طلب للعمل لديه في مصانع النسيج أيدي عاملة مصرية.. فلم يتقدم إلا عدد قليل جداً.. وفي الوقت نفسه قرر تشغيل عدد من أبناء الهند واستجاب لطلبه عدد كبير.. ووجد فيهم ميزات غير متوفرة في العامل المصري.. فالهندي قليل الكلام كثير العمل.. يجيد الإنجليزية وبعضهم يتحدث أيضاً العربية.. كما أن طلباتهم أقل كثيراً من العامل المصري.. ولهذا فإنه وجد من الأفضل تشغيل العمال الهنود.
قال لي أيضاً ونفس الحال في البلاد العربية لقد أصبحت الأفضلية للعمال الهنود أكثر من العمال المصريين.. أيضاً نفس السبب.. وكان هذا الكلام قد جري قبل 25 يناير!!.
المهم أن الهند بلد صديق ومجالات التعاون بيننا كثيرة ولهذا فإن الرئيس السيسي يركز خلال زيارته القصيرة لها علي تطوير التعاون الثنائي في مجالات متعددة وعلي وجه الخصوص البرمجيات وكذلك تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة خاصة أن الهند برعت أيضاً في مجال الصناعات الأسرية.
وهناك ملحوظة أخري قال لي بعض أصحاب شركات السياحة.. إن هناك بعض الصعوبات في مجال منح تأشيرة دخول لمصر لمن يرغب في قضاء إجازة عندنا؟!