زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للهند جعلت وقائع التاريخ تعود أمام عينيَّ كأنها تحدث الآن. تذكرت عبد الناصر وجواهر لال نهرو. وعدم الانحياز والحياد الإيجابي ومن قبلهما تذكرت غاندي وسعد زغلول. ومجيء غاندي إلي مصر. وقصائد الشعر التي قيلت عنه. وفكرة المقاومة بالاحتجاج وبالرفض التي ثبت أنها قد تكون أهم ألف مرة من المقاومة بالقتال. رغم أن القتال بالمقاومة يبدو قدراً أساسياً في أيامنا هذه.
بدأت الهند نهضتها معنا. وليتنا نقارن ما وصلنا إليه بما حققته الهند. يكفي أنها البلد الأول في العالم في صناعة البرمجيات. ويكفي أنها صاحبة ثاني إنتاج سينمائي علي مستوي الدنيا كلها بعد هوليود. فإن كان الأمريكان عندهم هوليود. فإن الهند عندها بوليود.
نهضت رغم أنها مهددة بأكبر تهديد يمكن أن يؤثر علي أي نهضة حقيقية. ألا وهو الانفلات السكاني. لا يفهم أحد من كلامي أنني أدعو إلي ترك الحبل علي الغارب للزيادة السكانية. فطالما أننا لا نستطيع أن نعتبر الزيادة السكنية مصدراً للتنمية. علينا أن نعتبرها مشكلة كبري ونواجهها علي هذا الأساس.
لا يتصور أحد أن الهند - شبه القارة الآسيوية - تخلو من المشكلة الإثنية والعرقية والدينية والطائفية. لكن نظام الحكم الديمقراطي عندهم - وهو نظام حقيقي وليس نظاماً مظهرياً - كفل لهم مواجهة مشاكلهم والتغلب عليها.
أتمني أن تكون زيارة الرئيس السيسي للهند مقدمة لأن نرجع إلي الأصدقاء القدامي. وأن نسأل أنفسنا السؤال الغائب: لماذا تقدمت الهند وتعثرنا نحن؟ مع أن التجربة متشابهة والاستعمار كان واحداً. وعملية التطور الصعبة والعصيبة كانت متقاربة بين البلدين.
ومن الهند سافر الرئيس السيسي إلي الصين ليحضر اليوم وغداً قمة الدول العشرين التي انعقدت في بكين وهي قمة بالغة الخطورة. فالدول التي تحضرها تضم ثلثي سكان العالم. وتنتج حوالي 85% من الإنتاج العالمي. وتسهم بما يقدر بـ 80% من التجارة العالمية. كما أنها تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إنها قمة دول النخبة العالمية كما وصفتها وكالات الأنباء.
الرئيس السيسي ضيف شرف هذه القمة المهمة سياسياً واقتصادياً لعالم اليوم. والتي تشكل نقطة ارتكاز لخلق قمة توازي قمم الغرب التي يخيفون بها العالم الآن. خصوصاً أن القمة التي تنعقد في الصين لا بد أن تكون التنمية هدفاً لها. والنهوض بالعالم الثالث إحدي ركائزها ومواجهة هوس التفوق الغربي شعاراً أساسياً لها.
مصر والصين قصة تكاد تكون مكتملة. كان يربط بيننا طريق الحرير الذي اندثر وعلينا أن نعيده للوجود مرة أخري. ونبينا الكريم ينصحنا: اطلبوا العلم ولو في الصين. والصين قصة كفاح كبري تواكبت مع كفاحنا في الوقت نفسه تقريباً. واستطاعت أن تخرج من معارك الاستقلال والتحرر والوحدة بأقل الخسائر الممكنة.
إن كنا نشكو من الانفجار السكاني. فإن الصين جعلت من السكان وانفجارهم الذي لا يقارن في أي مكان من العالم نقطة انطلاق لبناء حضارة حقيقية. وإن كنا نشكو من سنوات الاحتلال الفرنسي والمملوكي والعثماني والانجليزي. فإن الصين تعرضت لأخطر الحروب التي لم تعرف البشرية مثيلاً لها. لا من قبل ولا من بعد. ألا وهي حرب الأفيون التي تشكل عاراً حقيقياً للحضارة الغربية.
هل نعتبر زيارة الرئيس السيسي للصين وحضوره كضيف شرف هذه القمة المهمة فرصة لكي نتدارك ما فاتنا تجاه الصين؟ ولكي ننسي العداء المصطنع الذي زرعه الغرب عندنا في مواجهة الصين؟ وهل يمكن أن نتمثل تجربة الغرب الذي يحاول الآن التقرب من الصين وإرضاءها بأي طريقة من الطرق؟.
أصل المشكلة التي نعاني منها أننا في مصر منذ نهايات القرن السابع عشر ونحن ننظر إلي الشمال الغربي باعتباره المكان الذي تأتي منه الحضارة والنهضة. كان هذا خطأ جسيماً. لكن عندما نعرف أن الاحتلال الفرنسي، ثم الاحتلال الإنجليزي رسخا هذه الفكرة في أعماق الشخصية الوطنية المصرية. واستمرت كل هذه السنوات. فإن إعادة النظر فيها ستحتاج لجهد كبير علينا جميعاً أن نقوم به.
لننظر لحالنا الآن. ولننظر ماذا جرَّ علينا الجري وراء الغرب؟ واعتبار الغرب نمطاً من أنماط الحياة الذي يجب أن نقلده. وأن نمشي وراءه. أكثر من قرن من الزمان. لكن خطأ الماضي لا يبرر استمراره الآن. لا بد من إعادة النظر وأن نعتبر أن رياح الشرق - والتعبير للدكتور أنور عبد الملك - يكمن فيها الخلاص لنا مما نحن فيه. لقد وصلنا إلي المربع الأخير بعد رحلة طويلة كنا نلهث وراء النموذج الغربي. فهل نجرب الآن ما لم نجربه من قبل؟!.