اعتذرت لنجيب محفوظ الأسبوع الماضى بسبب تعامل مصر: الدولة والمجتمع مع عشر سنوات على رحيله. شهد الأسبوع الماضى حدثين يشكلان محاولة لرد الاعتبار للرجل ولوضع الاعتذار موضع التنفيذ.
الحدث الأول كان ندوة ذكرتنى بندوات الزمن الجميل. أقامتها الدكتورة أمل الصبان فى المجلس الأعلى للثقافة. واستمرت أكثر من ثلاث ساعات. وتحدث فيها عدد كبير من محبى نجيب محفوظ عن حياته وأدبه وما بقى منه. نجاح الندوة يقاس بحضور أعداد ضخمة من الشباب الذين لم يعاصروا نجيب محفوظ. وربما لم يقرأوه. وقد تكون علاقتهم به مبنية على مشاهدة الأفلام والمسلسلات المأخوذة عن رواياته. لكنهم جاءوا وحضروا. قال لى السيد عمار، محامى أسرة نجيب محفوظ. إن ابنتى نجيب محفوظ وهو ذهبوا لمقابلة وزير الثقافة حلمى النمنم. وسألوه عن مصير المتحف الذى سيقام لنجيب محفوظ. وأنه أبلغهم بعدم وجود أى مشكلة مالية. الأموال موجودة. لكن المشكلة صراع أيلولة المكان الذى سيقام فيه المتحف. وكالة محمد بك أبو الدهب. إما لوزارة الثقافة أو لوزارة الآثار. وأنه أجرى فى حضورهم اتصالاً تليفونياً مع وزير الآثار الدكتور خالد العنانى لحل المشكلة.
ختمت مقال الأسبوع الماضى بالتساؤل عن جدوى متحف لنجيب محفوظ. وبدلاً من الإجابة بالافتراضات أقول إن متاحف الأدباء فى العالم تشكل دافعاً للسياحة الثقافية. التى لا تقل عن أشكال السياحات الأخرى: الأثرية، العلاجية، أو الشرائية. زرت متحف شكسبير فى قرية ستراتفورد القريبة من لندن. ولاحظت أن القطار المتحرك من لندن إلى سترات فورد لا يستقله سوى من يذهبون لزيارة المتحف. تعيش حالة شكسبير منذ لحظة دخولك القطار وحتى وصولك إلى ستراتفورد. كل ما تتعامل معه يذكرك بشكسبير. تذكرة القطار مطبوع على ظهرها أبيات شعر لشكسبير. وإن اشتريت طعاماً يلفه لك الرجل فى أوراق مطبوع عليها حوارات مسرحيات شكسبير. وكل مكان مر به أو عاش فيه كما هو فى زمن شكسبير حتى الآن. والمتحف هناك جزء من الزيارة. لأن المسرح لا يقدم يومياً سوى مسرحيات شكسبير. فى ليننجراد زرت متحف ديستويفيسكى. كان الطابور طويلاً بين من يشترون التذاكر. ولولا أننى كنت ضيف الاتحاد السوفييتى وقتها ـ سنة 1986 ـ لما تمكنت من شراء التذكرة. لأن الوقوف فى الطابور كان يعنى أن ينتهى اليوم قبل انتهاء الطابور. كانت هناك مستنسخات بخط يد ديستويفيسكى تباع. وفى المتحف تشعر لحظة الانصراف أنك زرت ديستويفيسكى شخصياً.
وفى موسكو زرت أحد متاحف انطون تشيكوف فى الاتحاد السوفييتى الذى كان. ولا أدرى هل ما زالت هذه المتاحف موجودة؟ وهل الدولة الروسية التى جاءت على أطلال الدولة السوفييتية ما زالت تحتفظ بها وتدرك أهمية الثقافة مثلما كان فى الماضى؟. ما شاهدته عند متحف ديستويفيسكى كان موجوداً. وربما بصورة أكثر فى موسكو. وفى المتحف الصغير الذى هو عبارة عن الشقة التى عاش فيها تشيكوف فترة من الوقت مع شقيقته. تدخلها كأنك تعود إلى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر. والسنوات الأولى من القرن العشرين. وتوشك أن تتلمس روح ذلك الساحر الجميل أنطون تشيكوف.
إذن فالمتحف استثمار. فضلاً عن البعد الحضارى الذى تجسده. وعن الاهتمام بمن صنعوا لمصر ثقافتها وأحلامها. لدينا فى مصر زحام من العباقرة لا نهتم بهم ولا نقيم متاحف لهم. وهذا خطأ يجب ألا يستمر طويلاً.
عطر الأحباب:
< الزميل والصديق حمدى رزق اتصل بى متسائلاً عن تصورى أن إخوتنا من أهل الإسلام يمكن أن يغضبوا من عدم إقامة متحف لنجيب محفوظ. رغم ما كان منهم حياله فى حياته. وتساؤله فى محله. فحتى رحيله عن دنيانا لم يقلل من الضغينة التى يشعرون بها تجاه صاحب أولاد حارتنا. وسؤاله مشروع وتصورى لم يكن دقيقاً ما لم يتحركوا من تلقاء أنفسهم ويتبنوا موقفاً مغايراً من نجيب محفوظ.
< الدكتور حسن بسيونى، زميلى أو أعتبر نفسى زميله فى مجلس النواب. رغم أنه رجل قانون ضليع إلا أنى أعتبره من أهم من يقرأون الصحف المصرية. يوم الإثنين من كل أسبوع يأخذنا خارج الجلسة ونجلس فى البهو الفرعونى ليحدثنى عن مقال الأهرام. يتضح من كلامه أن الرجل قرأه بأكثر من العناية الواجبة. وأن له ملاحظات رجل قانون يقرأ ما يمكن أن يدور عن الثقافة.