المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
استـقلال الأزهـر
فى إطار هجوم بعض كُتَّاب وعلماء السعودية على الأزهر الشريف، فى أعقاب مؤتمر الشيشان، حول تعريف أهل السُنّة، تم استخدام بعض المصطلحات والجُمل التى تؤكد أن الأزهر منذ البداية كان يجب أن يستقل ماديا من خلال الوقف الخيرى على الأقل، وما أكثره فى مصر، ذلك أنه ليس من الملائم المن على الأزهر بالدعم الذى يحصل عليه من هنا أو هناك، إلى حد استخدام تعبير (الشبع من علم وموائد السعوديين)، وهو الأمر الذى يجعلنا نعيب على الأزهر ومصر معاً، وليس على السعوديين وحدهم.
إلا أننا فى هذا الإطار يجب أن نتوقف أمام هذه الجملة تحديداً، لنتذكر ما قاله الشيخ الشعراوى، من أن مصر الأزهر هى التى أفاضت وتفيض بالعلم والعلماء على مصدر الإسلام، وليس العكس، أما ما يتعلق بالموائد، فهو ما أقصده بالاستقلال المالى، والأزهر جدير بالدفاع عن نفسه فى هذا الشأن، سواء ما يتعلق بعمليات ترميم الجامع الأزهر، التى تكفل بها الراحل الملك عبدالله، أو إنشاء مدينة البعوث الإسلامية، أو حتى كان الأمر يتعلق بالموائد بمعناها المتعارف عليه، فكل مستهدف كفيل بالدفاع عن نفسه.

أخشى أن تكون هذه المعونات، أو تلك الموائد، هى التى توجب على الأزهر أن ينتفض ببيانات الترضية، الواحد تلو الآخر، لمن هاجموه ونالوا منه إلى هذا الحد، وهو ما يجعلنا نطالب بإعادة النظر فى الذمة المالية للأزهر، من حيث مصادر تمويله، وشفافيتها، دون اللجوء إلى ما يجعله مطالباً يوماً ما بتسديد فواتير، من أى نوع، سواء من حيث البيانات، أو الفتاوى، أو المواقف بصفة عامة، ذلك أن مثل هذه الوقائع تُعد خصماً من رصيد تلك المؤسسة الدينية العريقة على المدى البعيد، وربما القريب أيضاً.

أعلم أن المملكة السعودية قد أغدقت على الأزهر أيما إغداق، خلال السنوات الأخيرة، لأسباب يعلمها المغدِق، والمغدَق عليه، إلا أن ذلك كان لا يجب أبداً أن يكون مبرراً للنيل من الأزهر من جهة، كما لا يصح أيضاً أن يكون مبرراً لذلك الهلع الحاصل من غِل اليد النفطية من جهة أخرى، وهى اليد التى كان يجب تذكيرها طوال الوقت بزكاة الركاز، وما أدراك ما زكاة الركاز، التى يمكن من خلالها مواجهة كل أوجه الفقر فى العالم الإسلامى، وليس العربى فقط.

وإذا كانت أموال النفط بصفة عامة قد اشترت الكثير من ذمم العرب والعجم، منذ ظهوره فى المنطقة، على مدى سبعة عقود مضت، إلا أنه كان يجب النأى بها عن الشأن الدينى تماماً، الذى كان يجب أن يكون مستقلاً على جميع الأصعدة، سواء من حيث التعليم والمناهج، أو الإمامة والخطابة، أو الفتوى والمواقف السياسية، ذلك أن الخلط الحاصل الآن ربما كان السبب فى كثير من أزمات المنطقة، بل وعلاقتها بالإرهاب وسفك الدماء، وليس التشدد والتطرف فقط.

أتصور أن العالم الإسلامى فى حاجة الآن إلى مؤسسة الأزهر المستقلة، الفاعلة، الرائدة، المؤثرة، ولن يتحقق ذلك أبداً مادام استمر الاعتماد على معونات من هنا، ومساعدات من هناك، وبالتالى بيانات الترضية المتتالية، وبيانات الشجب والاستنكار المتتابعة، التى تنطلق فى معظمها، كما هو واضح، من عوامل سياسية وشخصية، قبل أن يكون هدفها الأسمى ابتغاء مرضاة الله، كمعونات المن وشراء الذمم سواء بسواء.

أعتقد أن الظروف المحيطة بالأزهر، جامعاً وجامعة، تتطلب إمكانيات إدارية وفنية، أكبر بكثير من المنظومة الحالية، التى وقعت فى ذلك الخطأ الكبير المتعلق بأزمة مؤتمر الشيشان، ذلك أن المتعارف عليه هو أن توصيات أى مؤتمر تكون شبه جاهزة منذ انعقاد اليوم الأول للمؤتمر، من خلال مجموعة من المتخصصين، وما يجرى بعد ذلك مجرد تعديلات، من خلال ملاحظات الوفود المشاركة، إلا أن حُسن النية الأزهرية فى هذا الشأن جعل وفد الإمام الأكبر يغادر المؤتمر، عائداً إلى مصر، دون الاطلاع على البيان الختامى، مما جعل البعض يعبث بالبيان، إلى الحد الذى ورّط الأزهر، بل ورّط بلد الأزهر أيضاً.

فيما يبدو، حسبما علمت من مصادر موثوقة، أن أحد علماء الأزهر المارقين، من خارج الوفد الرسمى، إضافة إلى رجل الدين يمنى الأصل، شيشانى الهوى، الحبيب الجفرى، هما المسؤولان عن صياغة بيان المؤتمر، الذى جاء مخالفاً للكلمة التى ألقاها الدكتور الطيب، حيث لم يذكر البيان (بسوء نيّة للأسف) أهل الحديث، كأحد مكونات، أو أحد أطراف أهل السُنّة، وهو الأمر الذى أثار حفيظة أصحاب المذهب الوهابى، الذين اعتبروا أن ذلك كان الهدف من المؤتمر أساساً، وهو إقصاؤهم عن الطائفة السُنية، من خلال مكيدة إيرانية- روسية مشتركة، فصبوا جام غضبهم على الأزهر وشيخه، بدلاً من المؤتمر ككل.

على أى حال، فإن كل الأحداث المحيطة بالمنطقة، وبالعالم الإسلامى عموماً، سياسية كانت أو دينية، تؤكد أن استقلال الأزهر مالياً، من خلال مصادر تمويل محلية، أصبح ضرورة تحتمها كل مجريات الأحداث، حتى لا نفاجأ بتكرار نفس المواقف، واستخدام نفس التعبيرات، والسقوط فى نفس مواطن الضعف، ومن ثم نفس بيانات الترضية، أو بيانات الضرورة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف