الوطن
د. أحمد عبد الظاهر
وزارة التموين.. بين الإبقاء والإلغاء
تصاعدت فى الآونة الأخيرة القضية المعروفة إعلامياً باسم «فساد القمح»، ولا سيما بعد صدور تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكّلها مجلس النواب حول الفساد ومافيا التلاعب فى توريدات القمح وإهدار المال العام لصالح مستوردى القمح، والذى صدر فى الخامس عشر من ذى القعدة 1437هـ الموافق الثامن عشر من أغسطس 2016م، ويقع فى 575 صفحة.

ولم يمض أكثر من أسبوع على صدور التقرير حتى تقدم الدكتور خالد حنفى باستقالته من منصبه. ولم تتوقف تداعيات القضية عند حد تقديم الوزير استقالته، وإنما طالب أحد أعضاء مجلس النواب بإلغاء وزارة التموين وتقديم الدعم مادياً بدلاً من إهدار مليارات الجنيهات على الدولة وذهاب الدعم لغير مستحقيه، على حد تعبيره.

والواقع أن التفكير فى إلغاء وزارة التموين ليس جديداً. إذ يرتبط وجود هذه الوزارة بالفلسفة الاقتصادية الحاكمة للدولة والظروف الاقتصادية التى تمر بها. فالمهمة الأساسية لوزارة التموين هى تحقيق التوازن فى الأسعار بين المنتج والمستهلك وضمان وصول السلع والخدمات للمستهلكين بالسعر المناسب. ويمكن القول بأن الحاجة إلى وزارة للتموين تنشأ فى حالة الحرب أو الظروف الاستثنائية التى تمر بها أى دولة. كما يمكن فهم وجود هذه الوزارة فى الدول التى تتبع نظام الاقتصاد الموجه، حيث تعمد أجهزة الدولة إلى السيطرة على وسائل الإنتاج وسياسة التسعير الجبرى للسلع والخدمات. وفى مصر. وحتى العام 1991م، كانت سيطرة الدولة على التسعير ونظام التجارة واسعة، وكانت وزارة التموين تقوم بدور المسيطر على الأسعار، وهى تقوم بعمليات الاستيراد وإعادة البيع وتحديد هوامش الأرباح. ومع بداية فترة التسعينات بدأت عملية التحول الاقتصادى إلى نظام السوق الحرة، حيث صدر قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991م، وبدأت الدولة فى خصخصة العديد من الشركات المملوكة لها، وذلك على الرغم من أن نصوص الدستور المصرى السارى آنذاك كانت تتسم بالطابع الاشتراكى ودعم الملكية العامة. وفى ظل هذه التطورات، وخلال فترة التسعينات من القرن الماضى، بدأ الحديث عن ضرورة إلغاء الدعم وتحرير السوق بشكل كامل، الأمر الذى يؤدى بالتبعية إلى انحسار الدور التقليدى لوزارة التموين.

وحتى يمكن إلغاء وزارة التموين كان المأمول أن يتم بناء مؤسسات قوية للدفاع عن المستهلك، واستحداث بعض الآليات التى تكفل الوصول إلى سعر عادل للسلع والخدمات، حيث تم بالفعل إنشاء جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وذلك بموجب القانون رقم 3 لسنة 2005م، الصادر فى الخامس عشر من فبراير 2005م، ونُشر بالجريدة الرسمية فى ذات يوم صدوره، وبدأ العمل به اعتباراً من السابع عشر من مايو 2005م. وفى العام التالى مباشرة، تم إنشاء جهاز حماية المستهلك بموجب القانون رقم 67 لسنة 2006، والذى صدر فى التاسع عشر من مايو 2006م، على أن يتم العمل به اعتباراً من العشرين من أغسطس 2006م. كذلك، تؤكد المادة السابعة والعشرون من الدستور المصرى لعام 2014م على أهمية حماية المستهلك وضبط آليات السوق ومنع الممارسات الاحتكارية، باعتبارها أبرز محددات النظام الاقتصادى. ومع ذلك، لا تزال الآليات سالفة الذكر غير فاعلة فى ضبط السوق المصرية تماماً، الأمر الذى يجعل التفكير فى إلغاء وزارة التموين أمراً مستبعداً فى الوقت الحالى. وفى حالة وجود مثل هذه الآليات نعتقد من المناسب أن يتم نقل مهام وزارة التموين إلى وزارة الصناعة، وبحيث يكون مسماها الجديد هو «وزارة الصناعة والتجارة وحماية المستهلك».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف