أحمد بان
ماذا يجري داخل جماعة الإخوان؟
بالرغم من كل ما جرى عبر ثلاثة أعوام أعقبت خروج الإخوان من الحكم، شهدنا فيها العديد من الأحداث فما زالت الجماعة قادرة على أن تبقى في قلب الأحداث، سواء عبر اتهامات بالعنف والتورط فيه عبر مجموعات العمل النوعي التي انطلقت قبل عامين، مؤملة تحريك المشهد الذي فشل في تحريكه ما يسمى بالحراك السلمي أو السلمية المبدعة، أو أي اسم كودي يعرف العنف الذي تورطت فيه بعض أجنحة الجماعة، شهدنا تحت هذا العنوان بروز مجموعات أجناد مصر والعقاب الثوري والمقاومة الشعبية وكتائب حلوان، وأخيرا سواعد مصر أو حركة حسم التي أعلنت مسؤوليتها عن محاولة اغتيال الشيخ علي جمعة مفتي مصر الأسبق، نجحت الأجهزة الأمنية في تفكيك معظم تلك المجموعات وأجهضت مخططاتها بنجاح يدعي البعض أنه كان بمعونة أجنحة أخرى داخل الجماعة.
زايد الجناح العنيف عبر المجموعات الداعمة له على الجناح التقليدي المحافظ، الذي يقوده القائم بأعمال المرشد العام د.محمود عزت، بالحديث عن الضحايا والدماء والأشلاء ورفع راية القصاص، بالمقابل تحرك جناح عزت بهمة أكبر مدعوما بالقوى التي دعمته في السابق خارجيا وربما داخليا، وكانت بريطانيا وأمريكا أكبر داعمين لهذا الجناح وفق مقاربة تعتبر الإخوان حزاما مانعا للإرهاب وليس حزاما ناقلا له، بالمخالفة لما انتهى له التقرير البريطاني الذي كان بدرجة ما داعما لفريق عزت منذ البداية الذي امتلك العلاقات والنفوذ الدولي ومفاتيح التنظيم عبر العالم من جهة، كما امتلك الأهم الأموال التي كانت أحد أهم الأوراق في شراء الولاء من المكاتب الإدارية وممارسة حرب التجويع، التي جعلت مكتب الإسكندرية يكتب عبر موقعه الإلكتروني إدانة لعزت لامتناعه عن تقديم الدعم المالي للمحافظة، وبالتالي تقليص قدرة المكتب على النهوض بمهامه وأنشطته.
وبرز منذ بداية العام 2014 وفي أعقاب موجات الغضب التي اجتاحت الجماعة بعد فض اعتصام رابعة العدوية، جناح يعتقد أن الحسم العسكري مع النظام ممكن عبر التزاوج بين مظاهرات كبيرة ومستمرة تصنع بيئة فوضى أمنية وسياسية مشابهة لما جرى في سوريا، وإقحام قوى أخرى في الصدام مع الدولة واستغلال أي أزمات اقتصادية أو اجتماعية، لإشعال الموقف وتسليح ما يسمونه بالثورة الإسلامية مع مجموعات نوعية تتسلح وتناوش مع أجهزة الأمن.
القيادات التقليدية رفضت هذا المنحى منذ البداية، واعتبرته نهاية الجماعة وهي المسكونة بتجارب الصدام مع الدولة، بينما كان لبعض القيادات الوسطى التي تلاقحت أفكارها مع رموز جهادية في رابعة طوال فترة الاعتصام رأي آخر، ومن ثم نشأ كيان جديد داخل الجماعة أبرزه تقدم تلك القيادات الوسيطة في قمرة القيادة، بعد أن تم القبض على معظم القيادات الكبيرة، أما من تمسك بأهداب العقل من القيادات الشبابية، محاولا منع الصدام بين الفريقين وتجنب الانجرار للعنف مع ما يحظى به من مصداقية لدى الطرفين، فقد تكفلت عملية أمنية بإنهاء دورهم بالاغتيال (نذكر واقعة اغتيال 9 من قيادات الجماعة في شقة بأكتوبر) وبدا الصدام مفتوحا بين هذا الفصيل الجديد الذي يضم حازمون وجهاديون سابقون والمتحمسون من بعض أعضاء الجماعة، خصوصا من الشباب باستثناء محمد كمال عضو مكتب الإرشاد الذي قاد هذا الفريق، وبدأ يصنع له هيكلا موازيا في المكاتب الإدارية التي تمسك بعضهم بقيادة عزت، وخضع بعضهم لمحمد كمال وفريقه.
لكن انكسار جبهة كمال وفشلها في تحريك المشهد، إضافة الى الأزمات المالية التي ضربتها وجهود أجهزة الأمن ساهمت في إضعاف هذا الفريق لصالح فريق عزت، الذي قدمت له تسهيلات وصلت إلى حد تحديد مكانه وتركه يتحرك، باعتباره القيادة الوحيدة القادرة على جمع التنظيم بتفويض واضح من بديع والشاطر، وتصاعدت التسهيلات إلى حد السماح لعضو مكتب الإرشاد د.محمد عبدالرحمن بالحركة بحرية بين المحافظات لضبط التنظيم وتثبيت الولاء لعزت وفريقه، وهو ما جرى بالفعل حيث أصبحت كل المكاتب الإدارية تحت سيطرة محمود عزت باستثناء محافظتين هما الفيوم والقليوبية، والإسكندرية التي انقسمت في الولاء بين الفريقين، البعض يتحدث عن دخول السعودية على خط الخلاف التنظيمي، بدعم فريق عزت أيضا وربما بتنسيق مع أجهزة الأمن المصرية، وذلك بالإفراج عن القيادي أحمد شوشة الذي كانت السلطات السعودية قد احتجزته قبل أن تفرج عنه مؤخرا وتتركه يعود لتركيا بالرغم من صدور أحكام ضده هنا في مصر.
الانقسام في المكاتب الخارجية طال أيضا مكتبين في السودان وتركيا
هذا الواقع من الارتباك التنظيمي، صاحبه أيضا ارتباك فكري واضح بعد انكسار تجربة حكم الإخوان في بلد المنشأ مصر، واكتشاف مدى هشاشة البناء التنظيمي والفكري والتربوي التي كانت تتيه به الجماعة، وهو ما أفرز السؤال الأهم هل الخلل في الفكرة أم في التنظيم أم في السلوك أم في كل ذلك؟ وهو ما يطرح أهمية المراجعة التي ربما لا تبدو ممكنة في تلك الأجواء، لكن الحديث عن تسوية قريبة بين الجماعة والنظام يبدو مرتبطا بنجاح خطة عزت في بسط سيطرة فريقه على التنظيم، ومن ثم الشروع في التفاوض مع الدولة ضمن سياق العدالة الانتقالية، لتتحدد على نحو صارم صيغة الوجود القانوني للجماعة المنهكة، بفعل الصراع الداخلي والضربات الأمنية والهزة النفسية التي أصابتها بخسارة الحكم، ومن ثم فقد يتيح الوجود القانوني عبر حزب أو جماعة الفرصة لإعادة مراجعة كل مقولاتها الرئيسية ومشروعها وأهدافها، في ظل تراجع داعش وكل التيارات الجهادية التي اختالت على بعض الحمقى من أعضاء الجماعات الأخرى، فتصوروا أن الحل في المفاصلة بالسلاح، ويبدو انكسار تلك القوى حافزا إضافيا يدفع الإخوان دفعا لمراجعة أشمل، وهو ما التأم وفق معلوماتي في دوائر إخوانية في الخارج، بعيدا عن دخان المعارك أو هواء الأقبية الفاسد وهو العامل الأكبر في تحديد مستقبل الجماعة.