جمال سلطان
هل الحكومة العسكرية هي الحل ؟!
قال الزميل مصطفى بكري النائب بالبرلمان أن وزير التموين المقبل المنتظر تعيينه خلال أيام أو ساعات سيكون بخلفية عسكرية ، وذلك بعد الجدل الواسع الذي حدث في موضوع فساد القمح وعزل وزير التموين خالد حنفي قبل عدة أيام وتعرضه للتحقيق على خلفية اتهامات بالتورط في الفساد ، ويأتي هذا الأمر بعد أيام من بيان وزارة الدفاع للدفاع عن قرارها بالتدخل لإنقاذ لبن الأطفال من الاحتكارات بعد فشل وزارة الصحة ـ بطبيعة الحال ـ في حل الأزمة ، وسبق ذلك أحاديث متكررة للرئيس عبد الفتاح السيسي عن إعطائه أولوية للقوات المسلحة في الأعمال المهمة التي يحتاجها الشعب المصري لسرعة إنجازها وضمان أعلى مستويات الجودة بأقل الأسعار ، حسب نص كلامه ، وكلنا يرى النشاط الاقتصادي الواسع للمؤسسة العسكرية في مجال البناء والعقارات والبنية الأساسية من طرق وخلافه وما يتعلق بالغذاء والدواء والزراعة وغيرها ، وهذا ما يدعونا لكي نطرح المسألة بوضوح أكثر وجرأة أكبر أمام تلك الحقيقة ، وهي : لماذا تبقى حكومة شريف إسماعيل ، بل لماذا تبقى أي حكومة مدنية بالأساس ، لأن ما يسري على شريف إسماعيل يسري على غيره ، طالما أنه ثبت بوجه القطع أن تلك الحكومة عاجزة ، وضعيفة ، وغير قادرة على الإنجاز ونخرها الفساد ، وفشلت في الاستجابة لتوجيهات رئيس الجمهورية ، لماذا يتم الإبقاء عليها وتخصيص عشرات المليارات من الجنيهات نفقات للوزراء ومستشاريهم وكبار مسئوليهم وانتقالاتهم ولزوم ما يلزم من البهرجة والفخفخة ، وفي النهاية نضطر إلى الاستعانة بالقوات المسلحة وكفاءاتها من أجل الإنجاز وتحقيق خطط الرئيس أو تصحيح أخطاء الحكومة أو إنقاذ الدولة من كوارثها . بوضوح أكثر ، لماذا خالد حنفي وحده الذي يتم تغييره ويأتي مكانه وزير بخلفية عسكرية ، رغم أن القاصي والداني يعلم أن الفساد في التموين ليس هو الأكبر ولا الأشهر ، وأن ثمة وزارات مثل الزراعة والأوقاف وغيرها ينخرها الفساد من سنوات وبدون أي أفق للإصلاح ، رغم استعانة الوزراء هناك بقيادات عسكرية للمساعدة ، وطالما أن رئيس الجمهورية لا يقتنع إلا بالخلفيات العسكرية للكفاءة والإنجاز والتفاني والشفافية وأن هناك من يقتنع بأن الضبط والربط العسكري هو العنصر الحاسم في الإنجاز ، فلماذا لا يتم تشكيل حكومة عسكرية بالكامل في هذه المرحلة ، سواء من العسكريين الحاليين بانتدابهم للعمل المدني أو من العسكريين السابقين ، أسوة بتولي العسكريين السابقين الإدارة المدنية كمحافظين لأغلب محافظات الجمهورية ، فهذه الخطوة فيما أعتقد تجعلنا نختصر المسافات ، ونوفر على الوطن الكثير من الوقت والجهد والمال والمقدرات التي تضيع في اللف والدوران ، فتحميل حكومة من كوادر عسكرية حالية أو سابقة بالكامل سيضع المؤسسة أمام اختبار جاد ، تشيل الشيلة ، وتتحمل المسئولية صراحة ومباشرة أمام الشعب وأمام البرلمان وأمام الرئيس ، فإن نجحت وحققت الإنجازات المطلوبة ونهضت بالبلد وقطعت دابر الفساد فتكون قد أعطت الدليل والنموذج الذي يلزم أي حكومة بعد ذلك أو حتى أن تستمر هي في تلك المرحلة ، وإن عجزت عن تحقيق مأمول الوطن في ذلك كله أو بعضه واستمر العجز واستمر الفساد ، نكون أمام الاعتراف بأن المشكلة ليست في مدني وعسكري ، وإنما في منظومة بكاملها فاسدة وخاطئة ، وأن الوطن بحاجة إلى فكر جديد ووعي جديد وقيادة جديدة ، وكل واحد يلزم مكانه وموقعه ودوره وخبراته . أعرف أن الفكرة صادمة ، وربما مستفزة ، ولكني أعتقد أن اللف والدوران ضرره أكثر من نفعه الآن ، الصورة واضحة ، وكما قال علماء أصول الفقه قديما : ليس الفقيه من يعرف الخير من الشر ، وإنما الفقيه من يعرف خير الخيرين وشر الشرين ، وأعتقد أننا في مصر الآن أمام اختيارات كلها مرة ، وكلها صعبة ، وكلها تحمل المخاطرة ، والوطن في خطر حقيقي ، بعيدا عن التهجيص الإعلامي الموالي لتخدير الناس ، والخطر اقتصادي وإداري بالمقام الأول ، والبلد لا تملك ترف انتظار المعجزات التي انتهى زمنها ، الوقت أغلى ما يكون على الوطن الآن ، ونحن نقترب من الهاوية ، لنملك الشجاعة ، ونتعامل مع اللحظة بقوانينها الحاكمة وتوازناتها الواقعية البديهية التي نعرفها ، أنا وأنت .