تتغير مشاهد الحرب الأهلية في اليمن. ما بين قصف مدفعي وغارات جوية وعمليات انتحارية وقتلي وجرحي ووسطاء تشي ابتساماتهم بالحل القريب. وإن ظل الحل سرابياً في دخان المعارك.
المشهد الثابت في توالي الاحداث هو الوجنة المتكورة التي تحدثها حزمة نبات القات داخل الفم. لو أننا لجأنا إلي لغة الارقام فمن المؤكد ان غالبية ابناء الشعب اليمني يضيفون هذا النبات المخدر إلي طعامهم اليومي. بل إنه في حياة الكثيرين أهم من القوت الضروري. ومن القتال دفاعاً عن مبدأ أو عقيدة. المهم ان تكون حزمة القات داخل الفم. تصنع مشهداً قبيحاً. وتحدث بالتالي تأثيرات مرضية خطيرة. لا تفرق بين القيادات العليا في الدولة. وبين بسطاء المواطنين. حتي رئيس الدولة المخلوع علي عبدالله صالح أعلن في حوار صحفي ان تعاطي القات في القيلولة هو الذي يعينه علي مواصلة العمل.
في جبهات القتال. يقبض الجندي- سواء كان تابعاً للحكومة الشرعية. أم لجماعة الحوثيين وصالح- علي سلاحه بيده. بينما فمه يلوك حزمة القات في مشهد. أبسط ما يوصف به إنه يثير الاشمئزاز!
للقات أخطاره المدمرة فبالاضافة إلي أنه يهدر مساحات هائلة من الارض الزراعية. ويستنزف الدخل القومي الذي ينفق علي استيراده من دول شرق افريقيا فإن تأثيراته علي متعاطيه خطيرة. أقلها التأثير بالسلب علي الذهن بما يعيق المواطن عن الاداء بقدراته الحقيقية فينعكس ذلك علي طاقات الانتاج.
لا معني للتشدق بالعبارات المبهرة. بينما معظم ايرادات "اليمن السعيد" تستنزف في غيبوبة لا صلة لها بالواقع المعاش. وحسب بيانات المنظمات الدولية فإن ما يقرب من 60% من أبناء يقفون علي حافة المجاعة. أو في قلبها!
الوسطاء الدوليون يحاولون التوفيق بين الجماعات المتحاربة. الوصول إلي كلمة سواء. تنهي عمليات القتل والتدمير وتعيد لليمن استقراره وتماسكه. لكن الوساطات تجتذبها دوامة الخلافات التي لاتريد- في الحقيقة- حلاً حاسماً. ونهائياً. وإنما تستهدف احتفاظ كل طرف بما يتصور أنه في قبضته من مكاسب. بينما الخسارة- حتي الآن- قدر الجميع.
في الوقت الذي بدأ الحلم السرابي يبين عن ملامح يمكن الاطمئنان إليها. وهو ما دعا المبعوث العربي الدولي إلي الحديث عن المستقبل من خلال شروط تقبل بها الاطراف المتصارعة. فإن عبدالله صالح الذي يدرك خطورة الحل علي مستقبله السياسي. حيث تبدأ المساءلة والمحاسبة علي جرائمه في الحياة اليمنية. يشغله ان تظل الفوضي سمة كل شئ. ومن هنا جاء تحريضه للحوثيين علي تأليف مجلس رئاسي بقيادته الشخصية ليعيد الاوضاع إلي نقطة الصفر.
لماذا قام الشعب اليمني بثورته؟ وما المعني الحقيقي للائتلاف بين صالح والحوثيين الذي ظلوا جزءاً من ثورة الشعب اليمني ضد الديكتاتور المخلوع قبل ان يجد في إرضاء اطماع الحوثيين ما يهب مؤامراته فرصة للتحور. بصرف النظر عن فداحة الثمن الذي يدفعه الشعب اليمني. من حريته واستقلاله واقتصاده الوطني. وأخطره- في رأيي- هذا النبات المخدر الذي يصر صالح- باعترافه- ان يخضع لغيبوبته مستقبل اليمن!