وزير الإعلام السابق أسامة هيكل هو نفسه رئيس لجنة الإعلام فى مجلس النواب حالياً، هو نفسه رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى، الرجل بصراحة تناول حبوب الشجاعة، وقالها بالفم المليان، لم يخش من التطاول عليه، ولا حتى من قلة الأدب والسفالة، قال نصاً: لا توجد إرادة حقيقية لدى الدولة لإنجاز قانون الإعلام الموحد، ليس هذا فقط ما قاله هيكل، قال: إن التيار اليسارى مسيطر على الصحف القومية، ومدعوم بالمجلس الأعلى للصحافة «نفس التيار»، وإن هذا التيار لا يريد تمرير أى قانون إلا ما يريده، والحكومة لا تستطيع مواجهته، كما أن البرلمان لم يناقش تعديلات المجلس الأعلى للصحافة الخاصة بتعيين قيادات الصحف، مشيراً إلى أن هناك انفلاتاً إعلامياً، والبعض يريد تضليل الرأى العام- على حد قوله.
هذا التصريح صادر عن مسؤول وبرلمانى فى الوقت نفسه، ولو كان الأمر كذلك فى أى دولة من بلاد الواق واق، أو شبه دولة من بلاد الأزمنة الغابرة، لقامت الدنيا ولم تقعد، التصريح يحمل فى طياته ما يؤكد أن شبه الدولة تدار من خلال جماعة هشة، تخشى من عصابة ضعيفة، التصريح يؤكد «إن ما فيش فايدة»، «إن فيه غيبوبة»، أن الدولة بوليسية فقط، اعتقالات، تعذيب، تنكيل، سجون، لكن لا توجد إدارة، كما لا توجد إرادة، لا توجد سياسة، كما لا يوجد قانون، بمعنى آخر لا يوجد احترام للقانون.
هؤلاء الذين يشير إليهم أسامة هيكل قابعون على مكاتبهم على خلاف القانون، الفشل يحيط بهم من كل جانب، أخيراً شهد شاهد من أهلها: الحكومة لا تستطيع مواجهتهم، طبعا الرجل لا يستطيع قول الحقيقة كاملة، وهى أن القضية ليست الحكومة فقط، القضية أكبر من ذلك، القضية فواتير يتم سدادها، القضية منذ اللحظة الأولى كانت بمثابة الطُعم: نرى فيك عبدالناصر.
أعلم أن القصة كاملة أمام القضاء الإدارى، سوف يفصل بالطبع بعدم قانونية وجودهم، السؤال هو: ما هو مصير القرارات التى صدرت عنهم، ما هو مصير الأموال التى يتقاضونها على خلاف القانون، ما هو الوضع القانونى للفشل الناتج عن وجودهم كل تلك الفترة، التردى المهنى والإدارى، نزيف الخسائر اليومية، دعم المليارات التى تحملتها خزينة الدولة، الظلم الذى وقع على العشرات والمئات من العاملين فى المهنة، جراء استمرار تلك الطغمة؟.
إذا كان البرلمان لم يستطع إنجاز القانون وإقراره، وإذا كانت الحكومة قد فشلت فى التعامل مع الأزمة، على من إذن يمكن التعويل؟!، أتمنى أن يخرج علينا رئيس الوزراء هو الآخر، أو أحد أعضاء الحكومة، ليعيد نفس تصريحات أسامة هيكل: لا نستطيع مواجهة هؤلاء، حين ذلك نقول: سَجِّل يا زمان، سَجِّل يا تاريخ، شبه الدولة فى أضعف صورها، شبه الدولة على كرسى الاعتراف، هناك حكومة خفية، هناك عصابات فى كل المواقع، هناك فشل عام، ماذا يعنى الأمر غير ذلك؟.
يبدو أن تعبير شبه الدولة لم يعد يتناسب مع هذه الحالة التى نحن بصددها الآن، لو كان الأمر يتعلق بشبه دولة لما وصل الحال إلى هذا الحد من الاهتراء، بالتأكيد هناك تعبير آخر يتناسب مع ما نحن فيه، لا نريد الاجتهاد فى إطلاقه، سوف ننتظر حتى يصدر به تصريح رسمى كسابقه، القادم يُبشِّر بما هو أبعد من ذلك، وإلا لما خرج أسامة هيكل عن صمته المعتاد، معروف أن الرجل لا يتحدث إلا إذا فاض به الكيل، وها هو قد فاض وأفاض.
كنت أتمنى أن يتناول أسامة هيكل المزيد من حبوب الشجاعة، حتى يُقر بالحقيقة كاملة، وهى أن معظم أعضاء البرلمان وقَّعوا على مذكرة بتعديل القانون الخاص بهذه الأزمة، حتى يمكن الإنجاز وتدارك الموقف، بتشكيل مجلس جديد للصحافة بقرار جمهورى، إلا أن رئيس المجلس تراجع فى اللحظة الأخيرة، بما يشير إلى أن تعليمات قوية فوقية صدرت فى هذا الشأن، السؤال هو: من الذى يمكن أن يُصدر تعليمات إلى رئيس البرلمان، من الذى لديه المصلحة فى وقف حال الصحافة والصحفيين؟ سَجِّل يا زمان، سَجِّل يا تاريخ.
أتمنى أن يخرج النائب مصطفى بكرى هو الآخر عن صمته، يحذو حذو هيكل، يُقر بضعف البرلمان والحكومة والدولة فى آن واحد، هو كان طرفاً أصيلاً فى القضية منذ بدايتها، ربما لديه ما هو أكثر، أثق أنه سوف يفعل ذلك، ليظل السؤال يطرح نفسه: وماذا بعد، هل هناك تعمد فى استمرار حالة شبه الدولة هذه على كل المستويات؟، إذا كان الأمر كذلك، لصالح من، وما هو الهدف، وإذا كان البرلمان لا يستطيع التصدى لهذا العبث، كما الحكومة لا تستطيع مواجهته، فماذا يفعل المواطن، كيف يمكن تحفيز المواطنين بشكل عام على العمل والإنتاج واحترام القانون؟، أستطيع التأكيد أن استمرار هذه الحالة ليس فى صالح أحد، كبيراً كان أو صغيراً.. عموماً أسامة هيكل دق جرس الإنذار، شكراً.