أتذكر كثيراً هذه الأيام زميل الدراسة، صديقى العزيز، الذى كان كسولاً إلى حد كبير تجاه المنهج الدراسى، ومع ضغوطنا عليه كزملاء نُحبه، يُقسم بأنه سوف يبدأ المذاكرة بجِد واجتهاد من أول الأسبوع، ثم بعد ذلك يحنث باليمين، ويؤكد أنه لم يكن يقصد هذا الأسبوع، هو يقصد الأسبوع الذى يليه، ثم بعد ذلك يقول دعونى أبدأ من أول الشهر، ثم يحنث قائلاً: كنت أقصد الشهر العربى، الامتحانات أصبحت على الأبواب، رغم ذلك يطلب السماح بالذهاب إلى السينما مرتين فى الأسبوع، أيضاً مباراة للزمالك مرة واحدة فى الاستاد، دعونى أستريح من المذاكرة، «التى لم تتجاوز نصف الساعة»، وهكذا الحال طوال العام الدراسى، انتهينا من الدراسة الجامعية، وتركناه للأسف بالفصل الدراسى الثانى.
أتذكر ذلك كلما سمعت مَن يقول إن التعديل الوزارى على الأبواب، التغيير الوزارى بعد العيد، تعديل المحافظين قريباً، تغيير المحافظين بات وشيكاً، الحكومة الجديدة برئيس جديد، ستة وزراء ضمن التغييرات، تغيير سبعة محافظين، الوزراء والمحافظون فى حركة واحدة بعد عدة أيام، بعد الموافقة على قرض صندوق النقد، بعد تسلم الجزء الأول من القرض، بعد زيارة الرئيس إلى الهند والصين، البحث جارٍ عن وزراء، كثيرون يرفضون منصب المحافظ، هناك مفاجآت خلال الأيام المقبلة، هناك تغييرات فى كل مفاصل الدولة خلال شهر أكتوبر.
فى حالة زميل الدراسة، كان لابد أن يرسب كل عام، فى حالة الولادة المتعسرة لحركة الوزراء والمحافظين لا يمكن أن تخرج فى النهاية معبرة عن طموحات الناس، ما هكذا تكون الدراسة، ولا هكذا تكون التغييرات، فى الحالة الدراسية لم تكن هناك أى خطة حقيقية للتعامل مع العام الدراسى، وفى الحالة الحكومية لا توجد أى خطة مقنعة تتناول أسس الاختيار، الضوابط، القواعد، الأصول، الشفافية، الهدف، البرنامج، بدليل كل هذا التباطؤ، وكل هذا التردد، الذى يفتقد الرؤية فى نهاية الأمر.
اعتدنا فى اختيارات المحافظين اعتمادها على تكريم متقاعدين فى نهاية حياتهم الوظيفية، لم يكن لهم أى دخل بالمحليات يوماً ما، أما فى اختيار الوزراء فقد أصبحت الأمور تتكشف يوماً بعد يوم، هذا الوزير لأنه يمت بصلة قرابة لفلان، الوزير الآخر كان ترشيح علان، الثالث كان زميل دراسة مع ترتان، الرابع طيب ومطيع وغلبان، وهكذا، أما عن الوزيرات فحدِّث ولا حرج، جميعهن ولاد ناس والحمد لله، حتى اختيار شخص رئيس الوزراء أستطيع الزعم أنه لم يخضع لأى ضوابط، القصة كانت مختلفة تماماً، نحن فى حِل من سردها الآن.
إذن، كيف يمكن أن تكون النتيجة فى نهاية العام، ماذا نتوقع من هؤلاء وأولئك، النتيجة الطبيعية هى ما نحن فيه الآن، أيضاً لا داعى لإعادة سرد ما نحن فيه تفصيلاً، المواطن يعيش الحالة على الطبيعة، التضخم يرتفع، البطالة تتزايد، الفقر كذلك، الأسعار أيضاً، العملة المحلية تتهاوى، الفساد سيد الموقف، لم تعد تفلح السهوكة أو النحنحة فى إقناع الناس بالصبر على البلاء، كما لم تعد تفلح الإشارة إلى سوريا أو العراق لتخدير الرأى العام، كما لم يعد ممكنا إعادة إطلاق الوعود الفضفاضة، قد الدنيا، وأم الدنيا، ونص الدنيا، بعد أن تحولت كل هذه إلى مولد يا دنيا.
إلا أن السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هو: ما الذى يجعلنا ننتظر تغييرات أو تعديلات إلى الأفضل، ما الذى تغيّر فى طرق الاختيار، هل تم وضع قواعد فى هذا الشأن، هل تم وضع لائحة يتم الاختيار من خلالها، لم نسمع عن أى شىء من هذا القبيل، إذن يطرح السؤال الجديد نفسه: لماذا التغيير والتبديل إذن، ولماذا نُعول عليه إذا كان لا يخضع لأى أسس منطقية؟ أحياناً يكون التغيير لامتصاص الغضب الشعبى، هكذا اعتدنا كثيراً، وأحياناً يكون لمجرد التغيير، نظرية «فى الحركة بركة»، إلا أنه لا هذه ولا تلك يمكن أن تدفع العجلة إلى الأمام، صُنَّاع القرار يدركون ذلك، إلا أنها الشعوب المغلوب على أمرها.
آن الأوان أيها السادة أن نحترم عقول الناس، آن الأوان لبدء صفحة جديدة من التعامل مع الرأى العام، آن الأوان لأن نعمل لمصلحة الوطن بالفعل، وليس للشو الإعلامى أو لتسكين الآلام، كل ذلك يتطلب وضوحاً فى التعامل مع قضايانا المصيرية، قضية اختيار المسؤولين عموماً، اختيار الوزراء، كما اختيار المحافظين، كما اختيار القيادات بصفة عامة، لا يجوز أبداً أن يكون منصب الوزير مجاملة لآخر، لا يجوز أن يكون منصب المحافظ شرفياً، أو تشريفاً، لا يجوز أبداً اختيار أى قيادة كجزء من فواتير مع جماعات أيديولوجية أو طائفية.
إذا استمرت الأوضاع بهذه الوتيرة فلا يجب أن نشغل أنفسنا بما هو قادم، سوف يكون الأسوأ فى كل الأحوال، ليكن الوضوح هو عنوان المرحلة إذا أردنا أن يُكتب لنا النجاح، لماذا تمت إقالة هذا، ولماذا المجىء بذاك، لماذا كان هذا التعديل، ولماذا كان ذلك التغيير، لننطلق من التجارب الناجحة، وما أكثرها فى العالم، من الصين، إلى الهند، إلى اليابان، إلى أوروبا وآسيا، وحتى أفريقيا، هى الإرادة فقط، ثم بعد ذلك تتوالى مقومات النجاح.. اللهم ارزق ولاة أمورنا الإرادة، قولوا آمين.