عباس الطرابيلى
إجازاته.. أكثر من إنجازاته!
من قال إننا شعب إجازات لم يخطئ.. لأننا إن عرفنا كم يوماً نعمل وننتج، فإننا لا نعرف دائماً كم يوماً ننعم فيه بالإجازات.. حتى قيل عنا: شعب إجازات بصحيح!!
وها هو عيد الأضحى يهل علينا، ولم نعد ندرى أهو عيد للتضحية بالأضاحى لإسعاد الناس والبسطاء فى المقدمة.. أم هو عيد نضحى فيه بالعمل وقيمة الإنتاج؟ وربما نسينا عيداً كان اسمه عيد العمال.. نحصل فيه على إجازة.. ونحصل بجواره على مكافأتين: الأولى أجر يوم لم نعمل فيه.. والثانية منحة عيد العمال، وبالتالى كانت الدولة تكافئ الذين لا يعملون.. تخيلوا؟! ويبدو أننا نسينا يعنى إيه إنتاج.. ويعنى إيه عمل.
وفى عيد الأضحى تفرق الدولة بين الناس، يعنى هيه ناقصة، إذ تمنح موظفيها إجازة 5 أيام.. ثم تخفض الإجازة إلى 4 أيام للعاملين فى القطاع العام.. وللمرة الثالثة تخفض الإجازة «الرسمية» إلى 3 أيام للعاملين فى قطاع البنوك.. يعنى الدولة حريصة جداً على مصالح المتعاملين مع البنوك، وليست حريصة على العمل العام.. أو على الإنتاج ككل.
ويا ليت المصريين يقنعون بهذه الإجازات الرسمية - كل فيما يخصه - إذ يتفنن المصرى فى الاستيلاء على أكثر منها، بكل طرق التحايل.. وما أبرع المصرى فى ذلك! فإذا كان يوم الأحد هو وقفة عرفات.. وهو أمر يخص الحجيج لبيت الله الحرام فلماذا نحصل عليها إجازة، ونحن على أرض الوطن؟! والطريف أننا رغم عدم وجود «وقفة» قبل عيد الفطر المبارك، إلا أننا نصر عليها.. لنحصل عليها وهكذا نفوز بيوم يسبق العيد.. الرسمى!!
وطبعاً قبل الأحد، هناك السبت والجمعة وهما يومان إجازة فعلية فى الوزارات وغيرها.. ولا مانع من الخميس أيضاً، ولو إجازة «عارضة» فإذا لم يكن الرصيد يسمح.. فهو إجازة من الرصيد.. أو الاتفاق مع الغير ليوقع له على دفتر الحضور والانصراف، أو على الساعة.. المهم: التزويغة.
ثم بعد نهاية الإجازة «الرسمية» نجد الجمعة والسبت.. يعنى الحصيلة كلها 9 أيام إجازة.. علشان خاطر عيد الضحية!!
ترى هل هى رشوة حكومية للعاملين.. أم هى تستريح من تجمعهم فى أماكن العمل، فى زمن يكثر فيه القيل والقال؟ أم دعوة للناس لتشجيع السياحة الداخلية إلى الشواطئ والمصايف.. وأيضاً لتخفيف الضغط عن المدن والحياة فيها بحكم أننا يذهب معظمنا إلى قرانا لنمضى الإجازة مع الأهل والأحباب فى بحرى وفى الصعيد؟ وتابعوا قوافل المسافرين لتجدوا الزحام على أشده فى كل وسائل المواصلات.. وكله «يستفيد.. أو يستنفع» وبركاتك يا عيد.. وحتى الحكومة لتسهيل الإجازة صرفت المعاشات للشهر الجديد مبكراً وهى لا تدرى أنها تضع العواجيز والمستحقين يلاقون الأمرّين، فى الشهر المقبل.
فهل يا ترى حكومتنا تشجع على هذا الكسل القومى الذى يضرب كل مناطق العمل والإنتاج.. مادامت تسهل لهم كل الوسائل.. ولا يهمها الاقتصاد القومى وما يحدث له من كوارث بسبب تدنى مستوى ونوعية الإنتاج.. أم أن الحكومة تهدف من ذلك إلى ضغط استهلاك الكهرباء والمياه بالوزارات والمحليات!! أم يا ترى تطبق سياسة «سده.. واستريح» يعنى خلى الناس بلا عمل.. أفضل.. وبعد ذلك تشكو الدولة من تدنى الإنتاج.. فتضطر إلى الاستيراد مادام شعبنا نسى حكاية يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع.. ونسى أيضاً حكاية القرش الأبيض الذى ينفع فى اليوم الأسود.. واللى ييجى من الريش بقشيش.. أم نسينا كلنا أننا من ابتدع هذا البقشيش.. أى حسنة وأنا سيدك!!
■ كل هذا يصب فى خانة تدهور الاقتصاد، وانهيار الإنتاج.. وتعاظم الاستيراد.. حتى خروف الضحية استوردناه ممن حولنا أغناماً من ليبيا وجمالاً من السودان والصومال.. وأبقاراً من إثيوبيا وكينيا.. أما عن المجمد فقد أصبحنا أكبر مستورديه: من نيوزيلندا وأستراليا والبرازيل والأرجنتين.. وربما أيضاً من الهند!!
■ وحكومتنا والحمد لله خير من يشجع على الكسل.. وما طول مدد الإجازات إلا رشوة للناس، حتى لا يعملوا.. وهى حكومة - وحكومات- تطبق المثل القائل «اطعم الفم تستحى العين».. أى هل بعد «كل هذا الدلع» يبقى للناس «عين» تطالب؟!
حرام والله ما يحدث لنا.. شعب لا يجد ما يأكله من إنتاجه.. ثم يتسابق فى الكسل، حتى أصبح شعاراً لكل المصريين.
■ بالمناسبة كم عدد أيام الإجازات فى الصين وتايلاند وسنغافورة.. ولا نسأل عن عددها فى أوروبا وأمريكا؟!