د. مصطفى محمود
الخلطة السرية للاقتصاد الصينى
تكمن أزمة مصر الاقتصادية فى ثلاثة محاور رئيسية هى فجوة الدخل... أزمة الموارد وتباطؤ الصادرات.. تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تلك المحاور وغيرها تعد نقط تلاقٍ بين الاقتصاد المصرى المتعثر فى كبوته والاقتصاد الصينى الحصان الأسود السائر نحو المقدمة، ومن هنا تكمن أهمية كتاب الكاتب الصينى هان باو جيانج «الاقتصاد الصينى.. العقبات والحلول، أكبر 18 مشكلة اقتصادية تواجه الصين وكيفية حلها».
فمن خلال هذا العنوان الكبير نسبيًا تبحر فى بحر متلاطم الأمواج، ولكنه يرسو بك فى النهاية على شاطئ كيفية صعود الاقتصاد الصينى، حتى أصبح معدل النمو السنوى للناتج المحلى الإجمالى 9.8%، متجاوزاً الاقتصاد البريطانى والفرنسى والألمانى. والبداية المؤثرة كانت بعد القيود العالمية الجديدة الناتجة عن الأزمة الاقتصادية العاصفة بالعالم، حيث أدخلت بكين حزمة بأربعة تريليونات لتحفيز الخطة الاقتصادية لتتمكن من التعامل مع الأزمة، وتعديل هيكلها الاقتصادى، لتصل فى الربع الثانى من العام 2010 لأن تصبح ثانى أكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ما أدى إلى تغيير علاقات العجز التجارى بين الصين وأمريكا بسبب فتح الأسواق أمام هذا المارد الاقتصادى الجديد، وتزامن مع هذا تسريع عملية الإصلاح، والتحرر السياسى.
ولم تكن الأزمة الاقتصادية نقمة على الصين، لكنها ساعدت على رؤية التناقضات الهيكلية الموجودة، وعملت على استقرار وانسجام المجتمع الصينى والحفاظ على نمو سريع ومستدام من خلال التطور العلمى وتحسين القدرة على الابتكار المستقل، وتخلصت من الاقتصاد المزدوج، وهيكلت توزيع الدخل القومى، وعلى الرغم من أن الاقتصاد الصينى ينمو أفقياً بما يستهلك الكثير من الموارد، لكنه ساعد على تجاوز تلك المشكلة أن الصين منحت الأولوية لتطوير الصناعات الثقيلة إلى جانب التوجهات التصديرية للاقتصاد الصينى، أما بالنسبة لأزمة الموارد التى عانى منها الاقتصاد الصينى والمتمثلة فى قلة نصيب الفرد من الموارد، والتنمية الأفقية، ونقص بنية الأنظمة السوقية للموارد، وتخلف أساليب الاستهلاك، وكان العلاج عن طريق التحرر من ارتفاع معدلات الاستهلاك وإهدار الموارد.. مع خلق مزايا جديدة لزيادة الصادرات وتحول العلامات التجارية من «صنع فى الصين» إلى «ابتكار صينى» و«خدمات صينية».
أما فجوة توزيع الدخل فتجاوزتها بتأسيس نظام التوزيع على أساس أن «الأجر يكون حسب الجهد المبذول»، مع تحسين نظام الضمان الاجتماعى، وبذل الجهود من أجل تطوير العمل الخيرى، وهناك يتمتع العمل الخيرى بنمو أكبر من خلال أنشطة التبرعات وغيرها مع الالتزام الكامل بالتنسيق لإنفاق أموال التبرعات، وعملت الصين على تحسين نوعية الأيدى العاملة، وأحدثت سلسلة إصلاحية لنظام التعليم من أجل أن يتفق المحتوى التعليمى مع المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، مع إعطاء الفرصة كاملة للمبادرات الذاتية للشركات لتعزيز حلول أزمتى الوظائف الشاغرة والبطالة.
ولأن فى الصين كما فى الدول الأخرى المشكلة الأولى التى تواجه قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة هى نقص التمويل، فإن التجربة الصينية استفادت من كل التجارب العالمية فى هذا المجال، وأنتجت العديد من السياسات للقضاء على صعوبات التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومن كل ما سبق يكمن مربط الفرس فى أهمية الشراكة المصرية الصينية التى تسعى اليها مصر وقيادتها فى الآونة الأخيرة.