مؤمن الهباء
شهادة .. حكاية أم "البطل"
خلال الأسبوع الحالي شهدت مدينة "البلينا" بمحافظة سوهاج واقعة طريفة تستحق أن تروي لما تحمله من مغزي يلخص حالة الوطن وما يعتمل فيه من جدل صاخب لا يترك مجالا للعقل ولا للتفاهم.. ومن ثم لا تظهر الحقيقة إلا متأخرة جدا.
ذات صباح فوجئ أهالي المدينة بتمثال يتم نصبه في ميدان الشهيد عصمت قيل إنه تمثال "أم البطل".. عبارة عن سيدة فلاحة ترمز لمصر.. ويحتضنها من الخلف جندي غير كامل الجسم.. رأس وكتفان ويدان فقط.. وبلغت تكلفة التمثال 250 ألف جنيه تقريبا من مخصصات خطة تجميل المدينة.
أثار التمثال حالة من الجدل والسخرية بين أهالي المدينة الذين لم يقتنعوا برؤية الفنان التشكيلي مصمم التمثال واسمه وجيه يني.. وانتقلت حملة الغضب إلي مواقع التواصل الاجتماعي علي شبكة الإنترنت.. وارتفعت دعوات تطالب بضرورة التخلص من التمثال.. سواء بالهدم أو تعديل التصميم.
وظهرت تفسيرات سلبية لهذا التمثال الذي صار قضية الساعة:
البعض قال إن التمثال يحمل إساءة للوطن والمرأة في بيئة تتمسك بالعادات والتقاليد.. خاصة أن موقع التمثال يقع أمام إحدي مدارس الفتيات.
بعض المتشددين أصروا علي أنه لا رسالة لهذا التمثال إلا الدعوة للتحرش أو تأكيد السيطرة علي الوطن.
الرومانسيون قالوا إنه تمثال يحاكي أبرز مشاهد العشق في فيلم "تيتانيك".. ومن ثم اطلقوا عليه "تمثال تيتانيك الصعيدي".
اقترح بعضهم أن يتم تصميم تمثال بديل يقوم فيه الجندي بتقبيل يد السيدة القروية.. وقال آخرون: من الأفضل عمل مجسم باسماء شهداء المدينة منذ حرب 1973 حتي الآن.. بينما طالب فريق ثالث بالاستغناء عن التمثال تماما وتوجيه ميزانية تجميل المدينة إلي أشياء تفيد الأهالي.. وأولها توفير سراير للمستشفيات.
علي الجانب الآخر كان رد المسئولين في مركز ومدينة "البلينا" وفي مقدمتهم رئيس المركز أن التمثال حالة وطنية خالصة.. يعبر عن الإخلاص والوفاء من جنود مصر تجاه الدولة.. لكن الأعداء والمتآمرين هم الذين يقفون وراء التأويلات والتفسيرات الخاطئة.
إلي هذا الحد وصلت الأمور إلي نقطة المفاصلة.. لم تعد هناك مساحات للالتقاء والتفاهم.. خصوصا بعد أن اتجه بعض الأهالي بمطالباتهم بهدم التمثال إلي المحافظ ونواب الدائرة.
وبعد جولة من الشكاوي والتحقيقات والمذكرات نشرت صحف الأحد الماضي أن محافظ سوهاج الدكتور أيمن عبدالمنعم أمر بتعديل تصميم تمثال "أم البطل".. بعد ردود الفعل الغاضبة التي أثارها بين الأهالي.. كما أمر بالتحقيق مع مصمم التمثال والمشرفين علي تنفيذه لعدم عرضهم تصميم التمثال عليه قبل إقامته.
وقال المحافظ تعليقا علي الحكاية برمتها: "لازم نحترم رأي الناس وثقافتهم وتقاليدهم ومش عيب نصلح حاجة عاملة فتنة".
أظن اننا - وفي كثير من المواقع والوقائع - في أمس الحاجة لأن نتفهم رد المحافظ ونطبقه.. لكي نحافظ علي تماسك المجتمع وصلابته.. ونبقي علي شعرة مهمة للتفاهم بين أصحاب القرار والأهالي.