الأهرام
أحمد سعيد طنطاوى
حين فشلنا فى رص الفسيخ
حسناً فعل مجلس الوزراء بإصدار قرار يقضي بحظر ترميم أو وضع تماثيل أو لوحات جدارية أو أى منحوتات بالميادين العامة بمحافظات الجمهورية إلا بعد الرجوع إلى وزارتي الثقافة والآثار، كل فيما يخصه.
حسنا فعل لأن ميادين المحافظات تتشوه بعشرات من التماثيل القبيحة والسيئة والرديئة، وأحيانا بأعمال سيريالية على رأسها القُلل التى توجد فى كل الأماكن تقريبا.. ولا أحد يعرف لها معنى ولا مغزى.

وإذا كان تمثال الملكة نفرتيتي بمدخل مدينة سمالوط بمحافظة المنيا فى العام الماضي نطق وعبر وفضح فوضى صناعة القبح.. فتمثال "عروسة البحر" بميدان العروسة بمدينة سفاجا فى الغردقة كان أكثر قبحا وكشفا، بغض النظر عن تماثيل أخرى للكتاب والزعماء والقادة أبعادها فى غاية السخافة من بينهم تمثال صاحب نوبل نجيب محفوظ وتمثال الزعيم أحمد عرابي فى مسقط رأسه فى قرية "هرية رزنة" بالشرقية.

الغريب أن عندنا جهازا للتنسيق الحضارى، له من الأساتذة والعلماء والمستشاريين ما تفيض به صفحات الإنترنت.. وبمناسبة الإنترنت إذهب إلى موقع الجهاز على الشبكة العنكبوتية ستجد موقعا لا يعبر إطلاقا عن التنسيق الحضاري.. ويستحق مصممه المنع مثل تلك التماثيل.
على كل حال المفروض أن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري يحول من الفسيخ شربات، أو يحاول قدر استطاعته أن يظهر الجمال الموجود في المدن والقري والشوارع العشوائية بزرع عدة شجيرات ودهان البيوت بلون موحد.. لكنه فشل حتى فى رص الفسيخ إلى جوار بعضه بعضا ليبدو أنيقا.. كما تفعل الفنادق والمحلات الكبرى فى موسم شم النسيم.

وإذا كانت التماثيل واللوحات الجدارية وجدت من يدافع عنها، فأين الجهاز القومي للتنسيق الحضاري من الميادين التى امتلأت بمواد البناء وبالرمال وباللون الرمادي المتبقى من أسمنت جُدر الأمان على الطريق.

أمر يوميا على الطريق الدائرى للقاهرة من ناحية مدينة قليوب.. المنازل والمطالع للطريق الدائرى مليئة بالكتل الخرسانية التى تُركت أثناء تنفيذ الطريق، منظر بشع بدأ الناس فى اعتياده والتأقلم عليه لأنه يرونه يوميا.. مع أن الحل بسيط وسهل، وهو تنظيف المنطقة وإزالة الركام ووضع عدة شجرات فيها.. وهو أمر لن يستغرق أكثر من يومين أو ثلاثة.. لكن من يجلس فى مكتبه المكيف أكثر ممن ينزل إلى الشارع.. ومن يعمل أقل بكثير ممن لا يعمل.

نفس أمر الطرق المرصوفة ينطبق على الأنهار وخطوط السكك الحديدية.. بلا شجر وبلا شُجيرات.. مع أن تربة مصر تصلح دائما فلو حفرت فيها لوجدت المياه الجوفية تفيض منها مثل الشمس.

الحقيقة بعيدا عن كل تلك التشوهات اليومية التى نراها جميعا.. وبعيدا عن الاهتمام الأكبر والأول بميادين القاهرة وشوارعها وتماثيلها لدرجة أن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري سيبدأ التطوير من شارع عباس العقاد.. فأنا هنا فى الشرقية أُلاقي صباحا مبهجا عندما أرى الحاجة أم يسري بائعة الخضار على أول شارعنا تُفلح فى رص الخضار على "فرشتها" بمنظر جمالى بديع مرتب، ترشه بالندي، فيلمع مع أشعة الشمس الذهبية المبكرة.. ليذكرنى بأنها استطاعت بمفردها أن تفعل وتتقن وترتب، فشكرا لهذا المنظر الجميل.. ولا شكر لمن لا يفعل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف