الأهرام
عبد الرحمن سعد
آية تُحييك
آية، وكل آيات القرآن كذلك؛ تريح النفس، وتنعش الروح، وتصفي القلب، وتنزل السكينة، وتجدد الإيمان، وتخلص العمل.. باختصار هي آية تُحيي ما يسمى بالحياة التي نحياها، وهي ليست بالحياة.
إنها الآية الثمانون من سورة الزخرف (مكية، وعدد آياتها 89). وتقول: "أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ".

تتحدث الآية عن أمرين: واقع المشركين، وهو واقع تعيشه غالبية البشرية والبشر اليوم. هو واقع من يسير في حياته، ويصدر في أعماله، مستهترا برقابة الله عليه، وتسجيله لأعماله، وذلك هو الشق الأول من الآية.

والشق الثاني يُذَكِّرُ هؤلاء، والبشرية جمعاء، بأن كل عمل مكتوب، وكل شيء مسجل، عند الله، من خلال رسله الذين عينهم لهذه المهمة، ألا وهم "الحَفَظَة".

مُتَيَّمٌ أنا بمرجعة كتب التفاسير. جاء في تفسير الآية، على وجه الإجمال، أن اعتقاد أن الله، لا يسمع، ما يسرونه في أنفسهم، أو حديث أنفسهم لأنفسهم، أو يتناجون به، أو يجهرون به فيما بينهم؛ هو اعتقاد فاسد، وغير صحيح بالمرة.

ويتساءل تعالى: "أم يظن هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما أخفوا عن الناس من منطقهم، أو تشاوروا به بينهم، أو تناجوا به دون غيرهم، أو تحدثوا به سرا، في مكان خال، فلا نعاقبهم عليه؛ لخفائه علينا؟

يجيب تعالى فورا: "بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ".. أي: "بلى نسمع ونعلم.. إن رسلنا الملائكة الكرام "الحفظة" عندهم، ملازمين لهم، يكتبون ما يعملون، ويسجلون ما يصدر عنهم، من قول أو فعل، حتى لو كانوا قوما: "إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".

ورُوي أن الآية نزلت في ثلاثة نفر، كانوا بين الكعبة وأستارها، ذات يوم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا؟ فأجاب الثاني: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع. فعلق الثالث: إن كان يسمع إذا أعلنتم، فهو يسمع إذا أسررتم، فأنزل الله الآية.

وهي تحمل لنا تحذيرا من الوقوع في الخطأ التاريخي للبشرية، الذي أهلك خواصها، فضلا عن عامتها: التغافل عن مراقبة الله، وإيلاء الظهور لحفظته الكاتبين.

هي دعوة إذن للانتباه إلى أن رسل الله، تكتب وتسجل، ما نفعل، ونعمل، مما يؤدي إلى إحسان العمل، وتخليصه من الشوائب، وقصد الله به.

قال دعاة: "ذنوب الخلوات أصل الانتكاسات"، مؤكدين أن وصفة الخلاص من الذنوب، عمادها اللجوء إلى الله، في كل وقت، كما فعل يوسف، عـليه السلام، إذ قال: "مَعَاذَ اللَّهِ".(يوسف: 23).

فتذكر دوما أنه تعالى يسمعـك ويراك، وتذكر مقامك عنده بذنـبـك، واستغفره عنه، وأقبل عليه بالسجود، وأتــبــع الـسـيـئـة الحـسـنـة تـمـحـهـا، ولا توقف حياتك على معاصي حياتك، وأكمل سيرك إليه سبحانه، ولا تجعله أهـون الناظرين إليك.

قال تعالى: "أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف