الأهرام
ابراهيم حجازى
القناعة والرضا والضحك والمشى والشاى.. كنز نسينا مفتاحه!
>> الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان فى أحسن تقويم.. وما من عضو فى جسده إلا وله وظائفه التى يقوم بها بالتنسيق الدقيق مع بقية أعضاء الجسم!.
خلق الله الإنسان وخلق له احتياجاته من مأكل وملبس وتَنَقُّلْ.. إن أحسن التعامل معها حصل على أكبر استفادة منها وعاش فى أمان مع نفسه ومعها ومع الآخرين!.

... وعرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال فرفضوا حملها خوفًا منها وحملها الإنسان.. الذى وصفه الله هنا بأنه ظلوم جهول!. ظالم لنفسه قبل ظُلمِه للآخرين وجاهل لا يفرق بين ما ينفعه وما يضره!. الأمانة التى فَرِحَ بها الإنسان هى العقل والفكر وحرية الاختيار!. حرية عمل أى شىء واختيار كل شىء متاح للإنسان وهو حُر فى اختياراته!. أنت حر وسوف تحاسب يوم الحساب أمام الله عز وجل!.

سبحان الله.. الحرية التى أعطاها الله للإنسان.. بقدرها كان سوء استخدام الإنسان لها.. إلى أن أصبح أحد ألد أعداء نفسه!.

اختراعات الإنسان أفادت البشرية فى مجالات ودمرت البشرية فى أخرى ربما أكثر!. الذَرَّة وأخواتها.. الإشعاعات.. الكيماويات.. المبيدات.. الإضافات الغذائية.. مكسبات اللون والطعم.. التلوث فى الأرض وعلى الأرض وتحت الأرض!. انجرف الإنسان للحداثة والتطور والاختراع.. كل همه الهاجس الاقتصادى ونسى الإنسان.. حق الإنسان نفسه فى هواء نظيف يستنشقه بدون أدخنة وأبخرة سامة وحقه فى طعام فيه ما يحتاجه الإنسان وبدون كيماويات!. نسى الإنسان الحياة التى أرادها الله له والفطرة التى كان يجب أن يحافظ على مضمونها!.

خلق الله الإنسان.. هذا الجسد مخلوق ليؤدى نشاطًا بدنيًا معينًا لا يجب الإقلاع عنه.. وهذا النشاط البدنى المطلوب لا هو رفاهية ولا منظرة.. إنما هو حتمى لأجل صيانة ووقاية أجهزة الجسم.. من قلب ورئتين وكبد وطحال وشرايين وأوردة ودم وجهاز عصبى وأربطة!. الإنسان خُلِقَ ليتحرك حتى لا يَمْرَض وليس «ليتَأنْتَخ» فيفاجأ بتصلب الشرايين فى الثلاثين!.

نعمة الحركة التى أرادها الله للإنسان.. دمرها الإنسان شكلًا ومضمونًا باختراعات.. سيارة.. أسانسير.. أجهزة منزلية كهربائية.. ريموت كونترول!. تسألنى وما علاقة الأشياء التى خدمت الإنسان بقضيتنا؟. أقول لك: حركة الإنسان تقريبًا انعدمت!. يركب السيارة والميكروباص إلى أن وصلنا التوكتوك!. لم يعد أحد يمشى وكأن المشى عيب!. «شوية» المشى التى كان أغلبنا يقوم بها.. بعد النزول من المترو أو الميكروباص.. حتى الـ200 أو الـ300 متر انحرم جسد الإنسان منها.. رغم أن احتياجه الطبيعى يوميًا 4 كيلومترات فى المتوسط لابد أن يمشيها لأجل الماكينة البشرية التى خلقها الله له.. وصيانتها ووقايتها من الأمراض بالمشى والحركة!.

الله سبحانه وتعالى أعطانا كنزًا لا يفنى وخط دفاع مفروضا ألا يقدر عليه!. الإنسان هو أول من فَرَّطَ فى الكنز الذى أعطاه الله له وهو أول من خلخل خط الدفاع المنوط بالدفاع عنه!.

جهاز المناعة هو الكنز الذى لا يفنى والذى لابد من أن نعيد تعارفنا عليه. أستعين هنا بصديق عزيز وأستاذ متخصص.. الدكتور عبدالهادى مصباح أستاذ المناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة.. ليلقى الضوء على الكنز الذى يملكه كل منا من خلال هذه النقاط:

1ــ جهاز المناعة الذى يملكه الإنسان لا مثيل له فى أى من الكائنات الحية على الإطلاق من حيث التكوين والكفاءة والتخصص!. المعارك التى يتصدى لها الجهاز المناعى وجيوشه داخل الجسم لا تعد ولا تحصى.. معارك لا يراها أحد ضد جيوش الأعداء غير المرئية وهى مئات الملايين من الكائنات الغريبة حولنا التى تتربص بكل موضع من مواضع الجسم البشرى لتنقض عليه وتقهره!.

2ــ طعامنا وشرابنا أساسان مهمان يعتمد عليهما جهاز المناعة فى مواجهة الحروب التى يخوضها!. المشكلة أنه فى وقت قليل حدث تغير كبير.. بل تغير هائل فى طعامنا وهوائنا ومائنا وحركتنا.. بل فى أسلوب حياتنا بأكمله!. المفروض أن تتأقلم أجسادنا سريعًا مع هذا التغيير لكى تجد وسيلة للتخلص أو من تخزين أكثر من 7000 مادة كيماوية جديدة تعرض لها الإنسان ويتعامل معها الإنسان فى حياته!. هذه الكيماويات يجب إزالة سمومها من أجسامنا إذا أردنا ألا تضرنا!.

3ــ الأهم فى هذه النقطة أن العناصر الغذائية التى توجد بصورة طبيعية فى طعامنا لم تعد كافية لكى تتيح لأجهزتنا المناعية مواجهة فاعلة للضغوط والأضرار التى تتعرض لها!.

العناصر الغذائية فى الغذاء من معادن وأملاح وفيتامينات باتت قليلة فى غذائنا!. فى الوقت الذى نبحث فيه عن استعواض هذه العناصر.. نجد أن عمليات تصنيع وإعداد الأطعمة السريعة تقضى على كثير من العناصر الغذائية بها ومُحَمَّلة بسعرات حرارية عالية لا تفيد كثيرًا لكنها تَضُر!.

فى الوقت الذى نبحث فيه عن أطعمة فيها عناصر غذائية.. ظهرت الوجبات السريعة المعدومة العناصر الغذائية والمُحَمّلَة بالسعرات الحرارية!.

4ــ ماذا نفعل أمام هذه الإشكالية؟. الحل المتاح الآن.. محاولة تقليل هؤلاء الأعداء.. ومحاولة تقوية جهازك المناعى ليواجه ما تبقى من الأعداء!. نتعرف أولًا على الأعداء المطلوب الابتعاد عنهم أو التقليل منهم:

الدخان. أى دخان من سجائر من تبغ من حرائق!. المخدرات. المنشطات. التوتر. الانفعالات السلبية. الحزن والتعاسة. التلوث. الموجات الكهرومغناطيسية. الكيماويات. الأدوية. مكسبات اللون والنكهة فى الأطعمة. الإكثار من الملح أو السكر أو الدقيق الأبيض. السمنة. الحرمان من الطعام. عدم ممارسة الرياضة.

5ــ كيف نحافظ على جهاز المناعة ونعمل على تقويته؟. الأمر فى متناولنا والغذاء أول بند وربما أهم البنود. مضادات الأكسدة تجعلك شبابًا وتقوى مناعتك. لا شك أن دور مضادات الأكسدة أو موانع الأكسدة قد أصبح واضحًا وجليًا من خلال الأبحاث العلمية فى شتى أنحاء العالم. مضادات الأكسدة هى مجموعة من الفيتامينات والمعادن تساعد على حماية الجسم من تجمع شوارد الأوكسجين الحرة داخل الخلية. الشوارد الحرة هذه هى بالضبط مثل عادم السيارة الناتج عن احتراق الوقود فى الموتور لتوليد الطاقة التى تسير بها السيارة.. وهكذا فى الإنسان الغذاء يُوَلِّد الطاقة ونتاج ذلك تلك الشوارد التى هى ذرات حرة طليقة وشرسة من الأوكسجين الذرى وغيره.. ومشكلتها أنها تهاجم الحمض النووى الموجود فى نواة الخلية وبسببه تبدأ أمراض القلب وتصلُّب الشرايين وحتى الأورام السرطانية.. بل وتهاجم «الميتوكوندريا» وهى المادة المسئولة عن توليد الطاقة فى الخلية مما يؤثر على نموها ويعجل بشيخوختها وموتها.

6ــ الشوارد الحرة تزيد فى الجسم مع تناول الدهون أو التعرض للإشعاع أو التعرض بإفراط لأشعة الشمس أو من خلال عمليات التمثيل الغذائى داخل الجسم عندما يتعرض الإنسان لفترات طويلة من الصوم عن الأكل حيث تتكسر الدهون كمصدر للطاقة فى غياب الغذاء!. فى الحالات الطبيعية تكون الشوارد الحرة تحت السيطرة بواسطة بعض المواد والإنزيمات التى بإمكانها التخلص منها مادامت نسبة الشوارد طبيعية فى الجسم. أيضًا السيطرة من خلال عناصر غذائية تعمل كمضادات للأكسدة مثل فيتامين (أ) و (ج) و (هـ) ومعادن الزنك والسيلينيوم وبعض الهرمونات مثل الميلاتونين وبعض الأعشاب التى ثبت فاعليتها كمضادات للأكسدة.

7ــ المخ أكثر أعضاء الجسم تأثرًا بالشوارد الحرة لسببين: الأول لأنه العضو الذى يعمل بدون توقف وبالتالى يستهلك مزيدًا من الأوكسجين والجلوكوز لإنتاج الطاقة التى يعمل بها وعليه ينتج المزيد من الشوارد الحرة. والثانى لأن 50٪ من المخ دهون وبالتالى أكثر عرضة لآثار تأكسد الدهون.. مما يحدث خللًا فى وظائفه المتعددة التى تسبب الكثير من الأمراض نتيجة الضمور الذى يحدث فى الخلايا العصبية.. مثل الزهايمر والشلل الرعاش وتصلب الشرايين وفقدان الذاكرة.

8ــ موانع الأكسدة أو مضاداتها هى جيش الدفاع الأول المنوط به صد هذه الهجمات الشرسة عن خلايا الجسم عمومًا والمخ تحديدًا. من نعمة الله أن هذه المواد المضادة للأكسدة موجودة فى أطعمتنا المختلفة. الفاكهة والخضراوات أهم مصادرها. العلماء توصلوا إلى أن كل طعام له قدرة على امتصاص الشارد من الأوكسجين وبذلك صنفوا الأغذية حسب قدراتها ووجدوا أن على رأس هذه الأطعمة.. القراصيا والزبيب والتوت الأسود والعنب الأحمر والثوم والبصل واللفت والفراولة والخضراوات ذات اللون الداكن.. وكلما زادت خضرتها أو حمرتها زادت قدرتها ضد الأكسدة.

والشاى مصدر رائع لمضادات الأكسدة خلال 5 دقائق من نقع الشاى فى الماء الساخن يفرز 85٪ من الطاقة المضادة للأكسدة ويفرز الباقى خلال الدقائق الخمس التالية. الدراسات التى أجريت فى اليابان وهولندا أثبتت أن تناول الشاى يقلل من احتمالات السكتة الدماغية وتصلب الشرايين. أما الشاى الأخضر فيقدم 4 أضعاف ما يقدمه الشاى العادى من المواد المضادة للأكسدة. والعكس اللحوم الحمراء تجعل الإنسان أكثر تعرضًا للإصابة بمضاعفات وأمراض الشوارد الحرة واللحوم البيضاء أقل.. والأفضل البروتينات النباتية.

9ــ أفضل برنامج غذائى لتقوية جهاز المناعة ومن ثم الوقاية من كل الأمراض التى ذكرناها يشمل:

الفواكه والخضراوات. البذور. الحبوب كاملة دون تكسيرها مثل القمح والمكسرات. الطعام غير المطبوخ والأقرب إلى حالته الطبيعية إن أمكن عند الحاجة للدهون نستخدم زيت الزيتون المعصور على البارد. عصير الخضراوات.. أى خضراوات.. فائدته عظيمة.. عندنا الكرفس والكرنب والبقدونس. والفلفل الأخضر. قرع العسل. البنجر.

ممارسة أى نشاط بدنى يوميًا مثل المشى. النوم 8 ساعات على الأقل.

10ــ على الإنسان أن يتجنب قدر الإمكان.. السكر. الدقيق الأبيض. البروتينات الحيوانية عدا الأسماك. الدهون. الأطعمة والمشروبات المحفوظة والمسبقة الإعداد أو من تحتوى على إضافات صناعية. المشروبات التى تحتوى على كافيين وملح زائد. الكحوليات وكل أنواع التبغ والمشويات خاصة على الفحم واللحوم المدخنة.

11ــ أثبتت الأبحاث أن الضحك يقلل من إفرازات الهرمونات المسببة للانفعالات الهدامة والمؤثرة سلبيًا على جهاز المناعة. الضحك ينشط إفراز الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة التى تعتبر مايسترو الجهاز المناعى. الضحك والفرفشة ضمن ما يعتبر تطعيمًا ضد الانفعالات والتوتر حتى إن هناك علاجًا الآن يسمى العلاج بالمرح.

الضحك ينشط نوعًا من الخلايا المهمة فى جهاز المناعة تسمى الخلايا القاتلة الطبيعية.. وهى الخلايا المسئولة عن التصدى للفيروسات والخلايا السرطانية!. الطفل الطبيعى فى مرحلة ما قبل المدرسة يضحك ويبتسم 400 مرة يوميًا!. فى المدرسة ينخفض الرقم إلى 15 مرة يوميًا ما بين ضحكة وابتسامة فى سن الـ 35 للإنسان الطبيعى!.

الضحك ينشط إفراز «الأندورفينات» أو الأفيونات الطبيعية التى تعد بمثابة مطمئنات طبيعية تحافظ على المزاج والسلوك الطبيعى وتقوى جهاز المناعة. أيضًا ممارسة الرياضة بانتظام تفرز نفس الكمية من نفس المادة. الضحك يزيد كمية الأوكسجين الداخلة إلى الجسم مما يساعد على تجديد الخلايا التالفة وتقليل الإحساس بالألم وتخفيف التوتر.

12ــ المؤكد والثابت علميًا أن الحالة النفسية لمريض السرطان من أهم مقومات شفائه ونجاح علاجه. إرادة الشفاء بداخله هى العامل الأساسى الذى يحفز جهاز المناعة بداخله للتصدى والقضاء على السرطان!.

إحساس مريض السرطان بالهزيمة واليأس من شفائه يؤثر سلبيًا على الجهاز العصبى المركزى وخاصة منطقة ما تسمى هرمونات الانفعال والتوتر وهى تؤثر بالسلب على أسلحة المناعة الأساسية التى تقاوم السرطان!.

انتهى كلام د. عبدالهادى مصباح ومنه نكتشف أن الله منحنا ما يحمينا ونحن الذى نفرط فيه بأيدينا!. تعالوا نمسك على ما أعطانا الله.. وأقصد جهاز المناعة المعنى بحماية الإنسان.. تعالوا نتعرف عليه ونحميه منا ليحمينا!. نحميه ونحمى أنفسنا.. بالرضا والقناعة والحلم والطيبة والكلمة الطيبة والحب!. نحميه بخضراوات فى متناولنا يقدر عليها من لا يقدر على شىء.. الجرجير والفجل والسِرِيِس والجُعْضيض!. تعالوا لنعيد الابتسامة مكان التكشيرة!. تعالوا لنمشى قليلًا كل يوم!. تعالوا نتصالح مع أنفسنا ليسهل التصالح مع بعضنا!. تعالوا نتذكر أننا المصريون.. أصل الشهامة والجدعنة والمروءة والرجولة وكل ما هو طيب!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف