الجبيرة التي التفت بساقي عرفتني معني جبر الخواطر.. فأكملت مع الأغنية "جبر الخواطر علي الله" ونحن كبشر نحتاج لجبر.. انه ما يفعله طبيبي الآن.. يدعم.. يحيط.. يلملم لكن مهمته تقتصر علي الكسر الذي شخصته الأشعة وقد قضي عمره يدرس ويبحث عظاما مشروخة ولا يدخل في مهامه دم ولحم.. انها مهمة آخرين في حياتك.. وحياتي.
انتهي دور طبيب رحيم.. ووصلت ممرضة جسور تنتظر دورها "لترزع" المكسور وتؤلم المجبور. قرأت عنها في كتب علم النفس فإذا رفعت امرأة يدها تعيد ترتيب خصلات شعرها.. فتلك علامات غيرة أصابتها متي وقعت عينها علي امرأة ثانية.. وأنا الثانية والممرضة تلقائيا عدلت نفسها وشدت بلوزتها لأسفل وكأنها تكويها ونظرت لي بطرف عينها ووضعي طريحة فراش وقدم عليلة وعيون مكسورة .وجلد تقوقع علي باقي عظامه وبشرة اقشعرت وحيوية همدت واشراقة غربت وصوت كأنين وحالة تستدعي الإنسانية.
جبيرة
التمريض مازال مشكلة.. ربما تعلموا في معاهده كيف يثقبون الجسم بسن إبرة يقتحمونه كرها أو يدحرجوا المريض ليغيروا من تحته ملاءة سرير.. إلاان منهجهم يخلو من كتاب رحمة وإنسانية وضمير.
والكلام عن الإنسانية يأخذنا من العظام إلي قسم الدم واللحم وأروع ما جمع الاثنين في واحد قصيدة شوقي "سلوا قلبي" حين قال:
ولي بين الضلوع دم ولحم.. هما الواهي الذي ثكل الشباب
تسرب في الدموع فقلت ولي.. وصفق في القلوب فقلت ثاب
انه القلب.. هذا الضعيف الذي قضي علي ما فينا.. وكم ظننا مع الأسي ان احاسيسنا ذابت في الدموع وفارقتنا حتي نجدها تصفق داخل النبض معلنة عن وجودها "تدبدب" بين كرات حمراء وبيضاء وتمرح وتعلن أنا.. هنا.
وكنت اغني مقطعها الأخير وقلت "آب" أي انه عاد ورجع ورفرف وهفهف وزاد وفاض عشقا لحياة.
كلنا يحب الحياة.. وبعضنا يزيد.. ربما من شاهد البحر من بعيد يتوق إليه أشد ممن اعتاده وان لم تذق الكباب فقط شممته ستشتهيه أكثر.. ومن لم يرتشف جرعة حنان يظل لاهثا.. باحثا عن جبيرة.. لقلبه ويحيا داخل ثوب من شغف.
عظمة
والله لم يترك الخالق كبيرة ولا صغيرة إلا وأحصاها ودلنا عليها فبقدر ألم المريض ووحشته أمر ربنا بزيارته وجعل الثواب لخدمته والقيام عليه.
ابنتي ملهوفة علي تغيير فراشي.. وكأنها ستجد قطعة شيكولاتة تحت الغطاء.. هكذا كنت احفزها لترتب سريرها صغيرة فأخفي الحلوي تحت ملاءتها وداخل غطاء الوسادة فتنزع كل شيء.. ترتب وتسعد.
اعتبرتني قطعة حلوي من أجل الفوز برضاها تهييء لي.. المكان مع دعوات بالشفاء.. وضحكات ولمسات حانيات.. وليال ذهب عنها الألم ومرت بسلام وراحة بحكايات وسمر.. نغترف مما فات ذكريات.. نلقي بها علي السطح بعد أن كبر الأبناء ووصل الأحفاد.. ابتسامة من حفيد تنعش دنيا بأكملها وتنسي هموم عمر.. فما بالك بنسيان "حتة عظمة".
حفيدي يلعب بمسدس صغير ويطالبني ان أرفع يدي فوق ليوجه رصاصة إلي صدري.. لن أرفعها ولم اسلم يوما وداخل الصدر طلقات أعتي من الموجودة في مسدسه.
يا قلبي
انقصم ظهري.. انكسرت قدمي.. كسروا نفسي ولم أجد أقسي من كسرة.. قلب.