عندما تولي اللواء كمال الدالي مسئولية محافظة الجيزة تفاءل أهلها واستبشروا خيراً.. فالمحافظ الجديد رجل شرطة يعرف معني الانضباط والالتزام وقد خدم طويلاً في المحافظة وتدرج في المناصب الشرطية بها حتي أصبح مديراً للأمن.. وعاد إليها محافظاً وهو يعرف كل مشكلاتها وما طرأ عليها من فوضي وعشوائية بعد أن كانت مدينة نظيفة ومنضبطة إلي حد كبير في عهد محافظين سابقين.
صحيح أن مشكلات وأزمات المحافظة كثيرة وهي جزء من مصر التي تعاني من مشكلات ضخمة بسبب فوضي المواطنين والتي تضاعفت في السنوات الأخيرة.. لكن شخصية المحافظ وحسمه ونشاطه تستطيع أن تحل كثيراً من المشكلات وتمنع العديد من الأزمات وتفرض علي رؤساء الأحياء والمدن أن يخرجوا من مكاتبهم المكيفة ويقودوا حملات مفاجئة علي الشوارع والأحياء لمواجهة الفوضي الموجودة بها والتي تضاعفت في الشهور الأخيرة بشكل مزعج للغاية وينذر بتحويل أرقي المناطق بها إلي مناطق عشوائية كما هو الحال في شارع الهرم الذي تخرج إليه التكاتك من الشوارع الجانبية في مشاهد مؤسفة رغم أن هذا الشارع واجهة لمصر أمام السياح الذين يجوبون شارع الهرم ذهاباً وعودة لزيارة الأهرامات والمعالم الأثرية. منذ ساعات انحشرت بسيارتي وسط التكاتك والباعة الجائلين في شارع العريش وقضيت وقتاً طويلاً للخروج منه بأقل الخسائر رغم أن هذا الشارع كان إلي عهد قريب ملتقي السياح العرب وكان واجهة جيدة لمنطقة الهرم كلها.. والآن لا تستطيع السير فيه علي قدميك بسبب طوفان التكاتك والباعة الجائلين الذين احتلوا الشارع بالكامل مما يؤكد غياب المسئولين عن الاحياء وغياب شرطة المرافق وعدم وجود جهاز للمتابعة الميدانية في محافظة الجيزة.
ہہہ
أعيش في الجيزة منذ 35 عاماً وتوليت متابعة أخبارها في مرحلة الشباب لـ "الجمهورية" في عهد محافظها التاريخي المرحوم "عمر عبدالآخر" وكنت أصاحبه في جولاته اليومية في مختلف الأحياء والمدن ليتابع بنفسه - وبعيداً عن تقارير المتابعة الكاذبة لمساعديه - حالة النظافة وانضباط أجهزة المحافظة ويحاسب المقصرين ويكافئ المجيدين ويتخذ القرارات الرادعة ضد الفوضويين من المواطنين الذين يلقون بأكوام الأتربة في قلب الشوارع وعلي جانبي الممرات المائية والتي كانت من مظاهر الجمال في المدينة وأصبحت الآن من أكبر مظاهر القبح والتلوث. لم تكن الجيزة أبداً بهذا القبح التي هي عليه الآن. فالزبالة في كل مكان وأكوام الأتربة ومخلفات المباني تستقبلك في شوارع ومناطق حيوية بالمدينة حتي الشارع الحيوي الذي يحمل اسم الزعيم الراحل أنور السادات "ترسا سابقا" في منطقة الهرم والذي يسكن فيه ويمر منه يومياً مئات الآلاف من المواطنين ويضم أهم معهد علمي في مصر وهو "القياس والمعايرة" أصبحت أكوام الزبالة والأتربة أهم معالمه ورضخت المحافظة يومياً لسلوك الفوضويين من الباعة الجائلين وأصحاب المحلات التجارية وتركتهم يفعلون ما يحلو لهم بالطريق العام. ايضا ترعة المريوطية التي كانت شريان جمال داخل الكتلة السكنية أصبحت لوحة تتجسد فيها كل مظاهر القبح والتلوث فهي ملجأ للفوضويين الذين يلقون بها وعلي جانبيها كل أنواع الأتربة والزبالة تحت سمع وبصر المسئولين في محافظة الجيزة.
ہہہ
لا ينكر أحد أن سلوكنا نحن المواطنين تجاه نظافة الشارع سلوك غير مسئول وغير حضاري. ونقر ونعترف بأننا مصدر كل المصائب التي نشاهدها في شوارعنا يومياً من فوضي وتلوث للشوارع والميادين.. لكن ما دمنا علي هذا الحال ونفتقد السلوك الحضاري والمسئولية الوطنية فيجب أن تتخذ الدولة معنا - ممثلة في محافظة الجيزة - الإجراءات العقابية الرادعة وهذه سلطة المحافظ ومسئوليته الأولي والتخلي عنها ضعف وهوان وعدم تحمل للمسئولية. سبق أن سألت أحد المسئولين في الجيزة: لماذا لا تتخذون إجراءات عقابية رادعة ضد الفوضوين الذين يلقون بالأتربة والزبالة علناً يومياً في شوارع رئيسية بالجيزة؟
قال: لا نستطيع أن نفعل ذلك رغم أن القانون يكفل لنا عقاب هؤلاء لأن معظم أصحاب سيارات الأتربة يحملون السنج والمطاوي وربما خرطوش وموظفونا يخافون مواجهتهم والشرطة "مش فاضية لنا" وبالتالي ليس أمامنا إلا ترك هؤلاء يفعلون ما يحلو لهم ونقوم نحن برفع ما يلقونه في الشوارع!!
بالله عليكم: هل هذا سلوك دولة تريد تطبيق القانون علي الجميع وضبط سلوك الفوضويين؟ هل هذا منطق مسئول يملك من السلطات والنفوذ والعقوبات ما يردع به الفوضويين العابثين؟
ہہہ
طبعاً أمام هذا الترهل والضعف والخوف الذي يسيطر علي بعض المسئولين في محافظة الجيزة أصبح من الطبيعي أن تتحول شوارع رئيسية إلي مستودعات للأتربة والزبالة ومخلفات المباني.. أمام ضعف وفساد بعض الموظفين من الطبيعي أن يحتل الباعة الجائلون وأصحاب المقاهي الشوارع والأرصفة وأن يفرض البلطجية سطوتهم لتزداد الاحياء سوءا وتصبح مسرحاً مفتوحاً للفوضويين من أصحاب المحلات التجارية وسائقي التكاتك والمواطنين الذين يتسابقون لتكون مدينتهم التاريخية العريقة "أكثر فوضي وعشوائية".
أية مبررات يسوقها المسئولون في الجيزة غير مقبولة علي الإطلاق فالقانون يعطيهم حق ردع كل الفوضويين وهم مطالبون بحكم وظيفتهم باتخاذ كل الإجراءات لحماية المدينة وسكانها وتاريخها من هذا العبث الذي تعيشه الآن.