المصرى اليوم
أسامة غريب
كوب الشوربة السحرى
كانت جدتى رحمها الله ذات خيال خصب وقدرة على تأليف ورواية الحكايات بشكل يفوق مؤلفى الدراما، وكنت كلما طلبت منها أن تحكى لى حدوتة أخذتنى فى رحلة خيالية مع قصص مليئة بالغيلان والعفاريت والجان والأبالسة والمردة والشياطين. وهى حكايات عرفت فيما بعد أنها فى غالبيتها مستقاة من ألف ليلة وليلة، ذلك النبع الذى لا ينضب من الإثارة والتشويق والتسلية. غير أنها فى كل مرة كانت تعرج فى وسط الحدوتة على سيرة الملك فاروق، الذى يبدو أنها كانت مفتونة بسيرته، ويبدو أنها سمعت عنه حكايات أسطورية كان يرددها العامة بثقة ويؤمنون بها إيماناً مطلقاً. ورغم أننا كنا وقتها فى عهد مختلف بعد مرور سنين على زوال الملكية إلا أن أساطير فاروق كانت تصاحبها على الدوام. ومن جانبى كنت لا أمانع أبداً فى قطع الحدوتة والدخول فى سيرة الملك فاروق الذى كان- طبقاً لجدتى- يمتلك قوة جسمانية خارقة ليس لبشر مثلها، وسبب وصوله لهذا المستوى من الصحة والعنفوان هو أن الطهاة بالقصر الملكى كانوا يقومون كل صباح بذبح مائة زوج من الحمام ووضعها فى قِدر كبير، حيث يتم سلقها وغليها، إلى أن تسفر خلاصة المائتى فردة من الحمام عن كوب متوسط من الشراب الكثيف يتم تقديمه لجلالة الملك وهو فى الفراش، فيشربه بتمهل قبل أن يزيح الغطاء ويقوم يتمشى فى القصر، وقد صارت له قوة الوحوش الضوارى!. قالت جدتى أيضاً إن فاروق لم يكن يطرق الأبواب ولا حتى يفتحها من مقابضها، وإنما كان يركل أى باب يريد عبوره فينفسخ الباب على الفور ويخر تحت قدميه.. ولهذا فإن نجار القصر كان يسير خلف الملك أينما سار!.
كنت أصدق هذه القصص وأتمنى لو كان باستطاعتى أنا أيضاً أن أحصل على «غِيّة» حمام كل صباح وأشرب كوب الشوربة السحرى، فأصير فى قوة سوبرمان. ورغم أننى عرفت لما كبرت أن قصة الحمام المغلى الخاصة بالملك فاروق لم تكن حقيقية، لكن خيال العامة لم يجد لتفسير السمنة وزيادة الوزن التى ميزت فاروق منذ منتصف الأربعينيات إلا حكايات عن الأسمطة والموائد العامرة التى كانت تُمد للرجل أينما حل، ومن الطبيعى أن أحداً لم يشرح للناس البسطاء أن ملكهم الشاب كان يعانى الاكتئاب والوحدة، بعد أن سقط فى براثن شلة إيطالية من القوادين كان يسهر معهم كل ليلة فى الملاهى وبين موائد القمار.. لم يعرف الناس الطيبون أيضاً أن جلالته كان يشعر بالعار من الست والدته، التى اتخذت من أحمد حسنين، رئيس الديوان، عشيقاً علنياً، وبعد وفاته فى حادث سيارة أخذت ابنتيها الأميرة فايقة والأميرة فتحية ورحلت إلى بلاد بره، حيث تعرفت على شاب مسيحى، اسمه رياض غالى، كان يعمل أميناً للمحفوظات بالقنصلية المصرية فى مرسيليا، فوقعت فى حبه هى وابنتها «فتحية» فى نفس الوقت، وأسبغت رعايتها عليه، ثم زوجته ابنتها ضد رغبة فاروق، الذى كانت الفضائح تصل إليه، فيزداد اكتئاباً ويدفن همه فى الطعام، فيزداد وزنه ويعتقد الناس أن سمنته دليل صحة وعنفوان، ويُرجعون الفضل إلى كوب شوربة الحمام السحرى!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف