لن ينصلح حال وزارات وهيئات مصر المدنية بتعيين مزيد من القادة العسكريين والشرطيين، ولكن بتطبيق «قيم العسكرية المصرية» داخل هذه الوزارات والمصالح الحكومية، ولنا فى التاريخ القريب أكثر من عبرة، فكم من قيادة عسكرية ناجحة فشلت فى مهمتها المدنية، ليس بسبب قصور فردى، ولكن لأن آليات العمل فى القطاع المدنى داخل مصر تحكمها لوائح وتقاليد بيروقراطية فريدة تكفى لإفشال «عباقرة أى زمان ومكان»، وإفسادهم، فالتجربة أثبتت أن معظم المحافظين ورؤساء الهيئات وصولاً إلى الأحياء والمدن فشلوا فى تحقيق أى نجاح يُذكر فى مواقعهم المدنية رغم نجاحاتهم السابقة فى مواقعهم العسكرية، وهو ما يضطر صانع القرار إلى تغييرهم فى أقرب حركة، وآخرها حركة المحافظين التى شملت تعيين 6 محافظين منهم خمسة جدد لمحافظات القاهرة والإسكندرية والقليوبية والفيوم والمنيا والسويس، نصفهم لواءات سابقون.
ورغم أن كثيرين يرفضون التوسع فى اختيار لواءات وعمداء الجيش والشرطة السابقين فى مناصب مدنية بحجة رفض «عسكرة البلد»، وهذا حقهم، فإننى أرى أن هذا الاعتراض فى غير محله لسبب غير بسيط، وهو أن تغيير الأشخاص مع بقاء نفس سياسات إدارة المنظومة الحكومية، التى يحكمها الفساد والفوضى الإدارية وعدم الانضباط وإهدار الوقت وعدم احترام المواطن، لن يغير من «التردى الإدارى والاقتصادى» الذى ينخر مثل السوس فى عظام هذا البلد.
نحن نريد ثورة إدارية واقتصادية فى مصر تنقلها من هذه «الحالة المأساوية» بأسرع وقت ممكن ولو بـ«العسكرة الإدارية»، التى تعنى نقل آليات العمل العسكرى فى أكبر عدد من القطاعات الإدارية والاقتصادية المدنية، من خلال آليات الانضباط الشديد فى العمل وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب بكل حزم، واستدعاء «روح المقاتل»، لا جسده، فليس من الضرورى أن تكون عسكرياً أو شرطياً لتكون منضبطاً ولديك روح قتالية تؤدى بها عملك بتفان وإخلاص، وطبعاً قبل كل ذلك أن تكون «نظيف اليد» ولست فاسداً، هذه هى «العسكرية الغائبة» فى مؤسساتنا المدنية التى نتمنى تطبيقها فى أسرع وقت.