د. محمود خليل
حكاية المسئول اللى مش مسئول!
المَشاهد أصبحت تتكرر فى نفس التوقيت وفى ذات الأماكن، وبترادف عجيب، رغم اختلاف المواقيت!
بمجرد أن سمع الكثيرون بحادث انقلاب ثلاث من عربات قطار الصعيد قرب مدينة العياط، ووفاة 5 أشخاص، تذكروا مصرع مئات البسطاء حرقاً داخل عربات قطار العياط، فى مثل هذه الأيام من عام 2002. نفس ما قيل وقتها فى تفسير الحادث تردد الآن، فى «العياط 2002» قيل إن السبب إهمال مواطنين أدى إلى انفجار موقد غاز ببوفيه العربة الأخيرة من القطار، لتمتد النار إلى العربات التالية، وتقع الكارثة، بعدها عرفنا «العياط 2009» بعد تصادم بين قطارين قرب «العياط» أيضاً، ليلقى 30 مواطناً حتفهم من جديد، وتم التأكيد أيضاً على أن السبب هو الإهمال. وفى «العياط 2016» أعلن أن السبب إهمال عامل التحويلة. ولعلك علمت أنه قبل حادثة القطار بساعات وقع تصادم على طريق الفرافرة أدى إلى وفاة 22 مواطناً!
الإهمال دائماً هو المجرم الذى يقف وراء الحوادث.. والسؤال: هل هذا اكتشاف؟.. هل من المنطقى أن يتحدث البعض عن سبب يفهم كل البشر أنه سبب الحوادث منذ عهد آدم؟
من يتمسكون بهذا النوع من الأسباب هم مسئولون يريدون إغماض الطرف عنهم. لو أنك سألت أى مسئول عن رأيه فى المواطن المصرى فأراهنك أن إجابته الفورية ستكون «مهمل»، طيب لما انت عارف إنه مهمل لماذا أيها المسئول الذى ترى فى نفسك الأهلية لقيادة هذا المواطن، وأحقية تقييمه، لماذا لم تحاول التعامل معه كمواطن مهمل؟!
الحديث عن إهمال المواطن أقصر طريق للهروب من المسئولية، لأنه يعنى ببساطة أن المسئولين مش مسئولين!
هذه الطريقة فى التعاطى تعطينا مؤشراً أن هذه الحوادث، كما تكررت فى الماضى، سوف تتكرر فى المستقبل، لأن تكرار الأسباب لا بد أن يفضى إلى نفس النتائج، وأداؤنا أمام الحوادث عموماً مكرر ومملول. المواطن يتهم المسئول، والمسئول يدمغ المواطن بالإهمال، والحكومة تصرف للمتوفى كام ألف وللمصاب كام ألف أقل، والإعلام ينعى الحال مرة ويدافع عن المسئولين اللى مش مسئولين مرات، وأهل «العياط» يواصلون الحديث عن الاسم الذى أطلقوه على المركز الذى يسكنون فيه، وهل الأصل فى التسمية يعود إلى البكاء، أم كان محاولة للوقاية من الحسد، نظراً لكثرة ضحك أهله ومرحهم.. وهكذا دواليك. ضحايا حوادث الطرق فى مصر زادوا زيادة كبيرة فى مصر المحروسة خلال الأعوام الماضية، وزير النقل علق على الحادثة على هذا النحو، وأجد أن من غير اللائق أن أسأل الرجل كيف ستواجه الأمر، وثمة اتفاق بين المسئولين على أن سبب الحوادث إهمال المواطنين، أو بعبارة أخرى «مواطنين بياكلوا فى بعض.. الحكومة هتعمل لهم إيه؟!».. سؤال وحيد أود أن أطرحه، فى ظل الاعتراف بأن الإهمال سبب كل الكوارث فى مصر.. ألا يستحق موضوع «مواجهة الإهمال» فى كل المواقع وكل الأماكن مشروعاً قومياً، يعمل إلى جوار المشروعات القومية الأخرى التى تتبناها الدولة، خصوصاً مشروع العاصمة الجديدة؟.. فهل من المعقول أن ندخل العاصمة الجديدة بمواطن قديم؟!