الوفد
علاء عريبى
رؤى .. خواطر حاج
كدت أنفجر فى البكاء من الخوف والرهبة عندما قال لي الصديق والأستاذ سعيد عبدالخالق، رحمة الله عليه، في التليفون قبل صعودي إلى الطائرة متجها لأداء فريضة الحج: ربنا هو اللي دعاك، هو اللي عايزك تروح له بيته».. حاولت طوال المسافة من القاهرة إلى جدة ومنها إلى مكة أن أفكر فيما سأقوله لله عز وجل، كيف سأبرر إسرافي على نفسي؟، كيف سأقف في حضرته؟، ذاكرتي أصيبت بخلل غريب، تستحضر كل الخطايا الصغيرة والكبيرة، البعيدة والقريبة، بعض الوقائع نسيتها منذ سنوات طويلة، أراها كأنها اليوم، مصيبتي أصبحت كبيرة، ما الذي سأقوله له سبحانه في بيته؟.
فى صحن الكعبة وقفت أمام الكعبة، تأملت المبنى المعماري، لا أشعر برهبة أو أحساس مغاير، عندما بدأت طواف العمرة، تزاحمت عشرات الأسئلة في ذهني، وانشغلت بالبحث عن الحكمة الإلهية من طوافنا حول مبنى من الحجر، لماذا قبل ظهور الإسلام وبعد ظهوره طافوا حول الكعبة؟، ولماذا دائما ما اتخذت البيوت والأحجار والأشجار والهياكل مكانة مقدسة فى الديانات الكتابية والبشرية؟، قبل الإسلام تم بناء البيوت الخاصة بالآلهة، وتاريخ الشرق الأدنى مليء بالبيوت التى خصصت للآلهة فى العصور والحضارات المختلفة، الفرعونية، والآشورية، والكنعانية، والحيثية، والبابلية، والفينيقية، والهندوسية، وكانت تسمى المعبد، والزقورة، والبيت، وشهدت الجزيرة العربية قبل الإسلام العديد من البيوت، مثل: بيت العزى، وبيت اللات، وكعبة سنداد، وبيت رئام، والسعيدة، وفى الديانة اليهودية: عمود راحيل، وهيكل سليمان، والوادى المقدس، وحائط المبكى، وفى الديانة المسيحية: المذبح، والصليب، وفى الإسلام الكعبة، والحجر الأسود.
لماذا استعان الإنسان بالحجر والبيوت؟، لماذا جعل لله بيتا؟، وما هى حكمة الله من فرض طقوس وشعائر خاصة بالبيوت؟، وهل الإنسان هو أول من اخترع فكرة بيوت الله أم أنه عز وجل هو الذي خصص لنفسه بيتا بين الناس؟.
القرآن الكريم يؤرخ لفكرة البيوت، وفيه يخبرنا عز وجل بأنه سبحانه وتعالى، الذي عرف الإنسان على بيوت الله، كما أنه هو الذي خصص لنفسه بيتا ليتذكروه ويعبدوه، وهذا يعنى أن الإنسان لم يكن يخترع فكرة بناء بيت للإله، وإن الفكرة نزلت من السماء، وأن أول بيت خصصه الله عز وجل لنفسه هو البيت العتيق أو الكعبة، فقد أخبرنا سبحانه وتعالى فى سورة آل عمران:« إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين ــــ آل عمران 96»، والله عز وجل لم يوضح لنا تفاصيل بناء البيوت، ولا سيرة بيته فى مكة قبل تكليف النبي إبراهيم بأن يرفع قواعده:« وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ـــــ البقرة 127»، أخبرنا فقط أن هذا البيت وضع للطواف، والصلاة، والحج:« وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ــــ الحج 26»، وأخبرنا عز وجل كذلك فى هذه الآية بأن هذا البيت هو بيته هو سبحانه وتعالى:« وطهر بيتى»، وهو ما يعيدنا للسؤال الأول: لماذا ارتبطت الديانات بالبيوت، والأحجار، والهياكل؟، ولماذا خصص الله عز وجل لنفسه بيتا فى كل ديانة سماوية أو بشرية؟، ما هى حكمته من وجود هذه البيوت؟، أن نتذكره، ونعبده، نتطهر من خطايانا فيها؟، سبحانه عالم الغيب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف