سقط الحزب الوطني، ودخل بعض قادته السجون وهرب بعضهم الآخر إلى الخارج، عندما أصروا على إقناع الشعب بأنه “ليس في الإمكان أبدع مما كان”، وأن ثمار ارتفاع معدلات النمو ستسقط على أم رأسه من حيث لا يدري ولا يحتسب.. بس يصبر شوية، ويرشد استهلاكه، ويبطل يعتبر الحكومة ماما وبابا”.
قادة الحزب “المحروق” كانوا محترفي “طنطنة” و”لك” شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، “الوطني” رفع في مؤتمره الأخير شعار”علشان تطمن على مستقبل ولادك”، الذي صاغه عميد كلية إعلام الأسبق سامي عبد العزيز، محترف نحت الشعارات اللزجة الركيكة، للنظام الساقط، مثل “من أجلك أنت” و”العبور إلى المستقبل” و”الفكر الجديد”.
ماكينة إعلام “طشة الملوخية”، و”يوم ولدت مصر”، دورت حينها هذا الهذيان، في محاولة لـ”الضحك على دقن الشعب المطحون”، وإقناعه بأنه من يصنع أزماته بيده، فلولا إفراط المواطن وبذخه لكانت مصر قطعة من أوروبا، ولتحولت مياه النيل إلى لبن وعسل.
لم تفلح حملات عميد الإعلام السابق، في تبليع المواطن شوك ثمار النمو، وفشلت برامج عمرو عبد السميع وتامر أمين في ضبط ضغط الشارع الذي ارتفع وبلغ حد الانفجار مع تزوير انتخابات مجلس الشعب، فنزل الناس كالطوفان في الميادين ليعلنوا سقوط نظام مبارك ووريثه ورجالهما في السياسية والإعلام.
بنفس العقلية بل بنفس الشخوص، وبعد بلوغ نسبة السخط العام ذروتها، أطلق نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الأيام الماضية، حملة شعارها “الإصلاح الجريء بيقصر الطريق”.
الحملة انطلقت بعد أن فشل “شماشرجية” النظام الجدد في اقناع المواطن بأن “الحياة حلوة” لكن المشكلة في تعاطيه معها، وعليه أن يحتمل فشل السيد الرئيس ورجاله حتى لا نقع في براثن “أهل الشر”، و”نصبر سنتين علشان نشوف مصر هتبقى إزاي”.
شعار الحملة الترويجية التي صاغها عميد الإعلام السابق سامي عبد العزيز وتم الإعداد لها في “المجموعة الاقتصادية” وتمول من تبرعات المواطنين، تهدف إلى تمهيد الطريق للإجراءات التقشفية التي قرر النظام تطبيقها تنفيذا لـ”روشتة” صندوق النقد قبل صرف أول قسط من أقساط القرض الذي تم الاتفاق عليه قبل أسابيع.
“حزمة الإصلاحات” التي تتضمن، رفع أسعار الكهرباء والبنزين والسولار وتذكرة مترو الأنفاق، وزيادة أسعار معظم السلع الأساسية بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتعويم الجنيه، سترفع عدد الفقراء إلى ما يزيد على نصف الشعب، الذي اعترفت جهات رسمية بأن ما يقرب من ثلثه معدمون، وستنزل بالطبقة الوسطى التي تحرك المجتمعات وتثبت شرعية الأنظمة إلى ما تحت خط الفقر.
لم تفلح حملات الترويج الفاشلة من إنقاذ نظام مبارك من السقوط، وأكلت النار مقر الحزب الوطني على كورنيش النيل، فلم يبق من المبنى سوى اليافطة التي رفعت شعار “علشان تطمن على مستقبل ولادك”، ورصدت الكاميرات قادة النظام خلف القضبان في قاعات المحاكم.
لم تصل تلك الرسالة إلى “الفشلة الجدد”، فاستدعو “كاتلوج المنحل”، وحاولوا إيهام الناس بأن “فيه خير كتير جاي.. بس عايز شوية صبر”، وأن الزعيم المخلص المنقذ “لازم ياخد فرصته ويكمل 8 سنين”، وأن أي محاولة للتنفيس أو التعبير عن الوجع ستدفع بنا إلى مصير جيراننا في ليبيا وسوريا، مطالبين بتحكيم العقل والمنطق، قبل أن نجاور أهالي دول المنطقة المنكوبة في خيام اللاجئين.
عندما يشتد الجوع يتوقف العقل عن التفكير، فالجائع لا يفكر في عواقب تصرفاته ولا ينظر خلفه أو أمامه، كل همه أن يوفر لأولاده قوت يومهم واحتياجاتهم الأساسية، وسيدهس في طريق “لقمة العيش” كل من يحدثه عن الصبر ويحذره من المؤامرة.