الصباح
سليمان جودة
ما لا يريد أردوغان أن يدركه !
أصبحنا على موعد هذه الأيام، فى كل صباح، مع تصريح تركى جديد، عن أهمية مصر فى المنطقة، وعن أهمية أن تعود العلاقات بين القاهرة وبين أنقرة إلى طبعيتها، أو إلى ما كانت عليه من قبل على الأقل.
التصريحات تأتى مرة على لسان رئيس الوزراء التركى بن على يلدريم ، ومرة أخرى على لسان وزير الخارجية، ومرة ثالثة على لسان أى من مسئولى حزب العدالة والتنمية الحاكم الكبار، ولكنها فى كل المرات تظل فى الاتجاه نفسه..اتجاه أن مصر دولة مهمة فى المنطقة، وأن هذه حقيقة، وأنه لابد من البحث عن طريقة تعود بها العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعى أحدث التصريحات التى من هذا النوع كانت الأسبوع الماضى، وفيها نقلت صحيفة (ديلى صباح ) التركية عن رئيس الوزراء هناك مايلى: موقفنا حيال مصر واضح للغاية، فالشعبان التركى والمصرى شقيقان، ولدينا الكثير من القيم المشتركة على صعيد المعتققد والثقافة والمنطقة، لذا علينا أن نحسن علاقاتنا مع مصر، فلا يمكن لعلاقاتنا أن تستمر هكذا، سواء بالنسبة لنا أو لمصر، لكن لدينا مشكلة من الناحية السياسية وأنت لا تعرف حين تقرأ مثل هذا التصريح المهم، على لسان رجل تركى مهم، ما إذا كان الرجل يعرض المشكلة أم أنه يعرض الحل ؟
والحقيقة أنه يعرض مشكلة عنده ثم يطلب منا الحل..وهى مسألة غير منطقية بالمرة، لا لشئ، إلا، لأن المنطق يقول إن صاحب المشكلة عليه هو أن يحلها، خصوصًا إذا كان هو صاحبها، وكان هو أيضًا صانعها.
وبطبيعة الحال فإن بن يلدريم يعرف تمامًا ما هى هذه المشكلة، ويعرف كذلك
ما هو بالضبط حلها، فهو يعرف تمام المعرفة أن المشكلة بدأت من أنقرة،
وليس من القاهرة، وأن ذلك كان بعد ثورة ٣٠ يونيو التى أطاح فيها المصريون
بجماعة الإخوان من الحكم ذلك أن الرئيس التركى إردوغان يكاد لا يجد مناسبة عامة، منذ الثورة إلى اليوم، وبمعنى أدق الى اللحظة التى أطلق فيها رئيس وزرائه تصريحه الأخير، إلا ويسئ فيها إلى ٣٠يونيو، وإلى أصحابها، دون أى مبرر، ودون أى سبب مقنع.
لا يريد أردوغان أن يفهم أنه إذا كان من حقه أن يساند الجماعة الإخوانية،
أو يدعمها، أو يقف إلى جوارها، فليس على أرض غير أرضه، وبمعنى آخر ليس على أرض مصر، ولا بالوقوف ضد إرادة المصريين التى تجلت كأقوى ما يكون قبل ثلاثة أعوام ونصف العام فى ثورة أدهشت العالم ولا تزال. ولا يريد أردوغان أن يدرك أن العالم من حوله يرى بوضوح، أن دعم الحكومة التركية للمشروع الإخوانى الخاسر، والفاشل، ليس لأن أردوغان يحب الجماعة إلى هذا الحد، ولا لأن مشروعهم يعجبه إلى هذه الدرجة، ولا لأنه متعاطف معهم إنسانياْ، ولا لأنه حزين على سقوطهم من الحكم بهذه السرعة، ولا لأى شىء من هذا القبيل، وإنما لأنه يتخذهم أداة لمشروع إمبراطورى كبير يساور أحلامه، وربما أوهامه منذ أن وصل إلى الحكم عام ٢٠٠٢ المشكلة السياسية، إذن، التى يشير اليها رئيس الوزراء التركى فى حواره ، أو كلامه مع صحيفة (ديلى صباح ) على أنها موجودة بين مصر وبين بلاده، وتعوق عودة العلاقات بينهما إلى مايجب أن تكون عليه، هى أن أردوغان يوظف الإخوان فى مشروعه السياسى المتخيل بالمنطقة، أو يريد أن يوظفهم، ولا يريد فى الوقت نفسه أن يمارس لعبته هذه بعيدًا عن مصر، وعن شعبها، وعن ثورته، وعن إرادته، ولا عن رأيه النهائى بأن الإخوان ليسوا أهل حكم، ولا يصلحون للحكم المشكلة السياسية هناك فى أنقرة، وحلها هناك أيضًا، ولاسبيل إلى أن تقوم علاقات طبيعية بين مصر وبين تركيا، إلا بأن يدرك أردوغان أن المصريين متمسكون بثورتهم، وبنتائجها، وأنهم لا يقبلون وصاية عليهم منه، ولا من غيره، وعندما يدرك هذا، ويتوقف عن ترديد تخاريفه التى يرددها فى كل مناسبة، دون ملل، ودون جدوى..عندها فقط سوف تعود علاقته مع مصر إلى طبيعتها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف