المساء
أحمد عمر
أصل الكلام .. عملية وادي كركر
ما يحدث في كركر يؤكد أن التنمية ستظل حلما لا يفارق الخيال إلي الواقع ولو فرشنا لها الأرض ذهبا ووفرنا لها كل الامكانيات متي ظلت الإدارة علي حالها في الفشل والعجز والفساد.. إدارة بتلك الصفات كفيلة بتحويل الذهب إلي تراب.. وكركر النموذج.
في منطقة تبعد 20 كيلو مترا من مدينة أسوان يقع وادي كركر حيث أنفقت الدولة في السنوات الماضية 4 مليارات جنيه لإنهاء مشكلة استمرت لعقود وأنشأت البيوت والمدارس والمشافي والمقار الإدارية لتسكين أهالينا من أبناء النوبة الذين هجرتهم بحيرة ناصر منذ إنشاء السد العالي.. لم تبخل الدولة بالمال العام لكن مسئولا في واحد من المراكز الخلفية للسلطة - يذكرنا بحكاية الجاسوس السوفيتي - أساء اختيار مديري المشهد فتحولت علي أيديهم موارد الدولة في السنين العجاف إلي نزيف مهدر وصارت المنشآت خرائب.. في صدفة عجيبة تكررت في عشرات المواقع حتي تبدو كحملة للتخريب الممنهج.. أنفقت المليارات الثمينة وبقيت مشكلة النوبة قائمة.. فالبيوت والمحلات والمنشآت تركوها للأشباح والقليل الذي تم تشغيله من مكاتب إدارية استكثروا علي أهل المنطقة تشغيلهم فيها واستدعوا لها موظفين من مناطق أخري يشق عليهم الطريق فلا يأتون.
توجه الزميل حلمي النمنم وزير الثقافة وهو كاتب صحفي محترم تفخر به دار الهلال.. إلي كركر في الأسبوع الماضي لافتتاح قصر ثقافة هناك.. وجري تنظيم احتفالية بهذه المناسبة وتبادل الجميع عبارات الترحيب والتهاني والصور ثم ذهب كل إلي سبيله.. يقول صديقنا عصمت توفيق مدير مكتب "المساء" بأسوان إنه عقب الافتتاح غادر الصحفيون المنطقة ومعهم مدير القصر الجديد في نفس السيارة وكانت "بوكس" شرطة هي وسيلة الانتقال الوحيدة المتوفرة وان الصحفيين اكتشفوا ان الافتتاح الرسمي جري بمناسبة زيارة الوزير إنما الهيئة العامة لقصور الثقافة التي كان رئيسها الدكتور خطاب مشرفا علي مراسم الافتتاح لم توفر العمالة ولا الامكانيات الضرورية للتشغيل.. وهذا ما نقلناه في "المساء" بأمانة التزاما مع القارئ بالحقيقة والمهنية.. عقب النشر صدرت التعليمات من رئيس الهيئة وانفتح كيس الامكانيات وجري نقل سريع لمجموعة من الموظفين والأطفال إلي القصر المغلق حيث جري تصوير الرهط إلي جوار اللافتة وأثناء إجراء عرض مسرحي.. تم استخدام الصور في تكذيب "المساء" وتوزيع بيان علي الصحف والمواقع الاخبارية وأعقبه تكذيب آخر من محافظ أسوان مفاده إنه عقب النشر أوفد لجنة للتحري فوجدت القصر يعمل وكله تمام.. في الوقت الذي يؤكد أهالي كركر ما نشرته "المساء".. وان المنشآت القائمة المغلقة تشمل مدارس وبيوتا جعلت السكان يهجرون المنطقة.. ومن تبقي لا يزيدون علي 350 أسرة يتنفسون المعاناة اليومية في الحصول علي أبسط مقتضيات الحياة.. رغيف الخبز والعلاج والتعليم والمواصلات.
** قبل أسابيع نشرنا ملفا علي صفحتين تناول تقييم أداء قصور الثقافة في المحافظات وقد وجد مراسلونا أن تلك القصور تحولت إلي بيوت عنكبوت لا تؤدي رسالتها.. كنا مهمومين بما يشهده مجتمعنا من أزمات أخلاقية وقلنا إن وسائل التوعية متنوعة من تعليم وإعلام ومؤسسات دينية إنما تبقي هيئة قصور الثقافة هي المعني الأول بقضية الأخلاق.. وقررنا اطلاق ذلك الملف كعهدنا قاصدين تفعيل الدور الحيوي للهيئة كواحدة من المؤسسات الهامة في الدولة وتسليط الضوء علي الواقع لاصلاح ما أفسده الاهمال وغياب الرؤية علي مدار سنوات وربما عقود.. لكن العجيب ان رئيس الهيئة ترك الموضوع وأمسك في زميلنا الأديب والشاعر يسري حسان نائب رئيس تحرير "المساء" باعتباره يرأس تحرير مجلة "مسرحنا" التي تصدرها الهيئة.. فات خطاب ان احدا لا يستطيع أن يملي علينا في "المساء" ما نكتب.. والحقيقة ان يسري لم يسع للتدخل فيما تناولناه.. يسري حسان كاتب يدرك الفرق بين وطنية الولاء للوطن الذي تقويه الحقيقة وبين عبودية الولاء للفرد الذي يصنع الأكاذيب ليجني المغانم.. حسان يقدم القدوة والمثل لعاهات مهنية في العديد من المواقع يتطوعون بتقديم خدماتهم لمسئولين عارضين براعتهم في التدليس لقاء مصالح رخيصة أو ميل غريزي إلي مداهنة السلطة.. أي سلطة.
ما نحتاجه هو الولاء للوطن.. للحقيقة.. للواجب.. ورفض التدليس الذي يتبعه البعض لاخفاء الفشل.
السكوت علي هؤلاء خيانة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف