المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. الأحزاب الغنية
كثيرا ما كانت الأحزاب السياسية عندنا تبرر ضعفها وفشلها ومحدودية انتشارها بعدم توافر التمويل المالي اللازم لممارسة الأنشطة والتواصل مع المواطنين وجذب الشباب.. وكثيرا ما سمعنا من رئيس هذا الحزب أو ذاك أن حزبه فقير.. ولذلك فهو غير قادر علي القيام بدوره.. يضاف إلي أن فقر الحزب ينعكس علي فقر الصحيفة أو الصحف الناطقة باسمه .. وهم ما يجعل توزيعها ضعيفاً وتأثيرها أضعف.
وجاءت مرحلة كان كل حزب فيها يبحث عن رجل أعمال يموله.. مقابل أن يوضع هذا السيد الممول في موقع قيادي مهم في الحزب.. رئيس أو نائب للرئيس أو أمين عام.. ولم ينج من تلك الظاهرة حزب التجمع اليساري أو الحزب الوطني الحاكم.. وظهر رجال أعمال كثيرون في مناصب حزبية قيادية رغم عدم وجود تاريخ حزبي لهم.. وربما عدم انتماء للحزب الذي يقودونه.. كما ظهرت أحزاب جديدة أسسها وقام علي رئاستها رجال أعمال.. وصار هناك تزاوج واضح وصريح بين المال والسياسة علي مستوي الأحزاب يتوازي مع تزاوج المال والسياسة علي مستوي السلطة.
وبهذه التركيبة وصلنا إلي النتيجة الماثلة أمام أعيننا جميعا.. فكل الأحزاب القائمة.. والتي تتجاوز المائة.. ليس لها تأثير مجتمعة.. ليس لأحدها وجود حقيقي في الشارع.. ولم تؤثر أموال السيد الممول في تقويتها.. بل بالعكس كان وجود هذا السيد بأمواله علي رأس الحزب سببا في اضعافه.. فقد صار الحزب في خدمة السيد الممول.. وجزءا من استثماراته.
وهذه النتيجة التي وصلت إليها التجربة الحزبية الفاشلة تؤكد من جديد أن المال لا يصنع حزبا ولا ينشئ تيارا سياسيا.. قد يصنع ظاهرة حزبية حين يشتري مرشحين للانتخابات لهم أرضية شعبية في مناطقهم.. ويشتري اصوات الناخبين.. ويسرف في إقامة المؤتمرات والمهرجانات الحزبية في المواسم الانتخابية.. لكنه يقينا لا يقيم حزبا قويا له انتماء في نفوس المواطنين.. وله من يقتنع بأفكاره ومبادئه وسياساته.. لأن هذه الأفكار والمبادئ والسياسات تأتي من الممارسة وسط الجماهير.. والجماهير هي التي تتفاعل معها وتجعل منها رؤية حزبية جاذبة ومقنعة.
النشاط الحزبي يحتاج إلي المال نعم.. ولكن المال لا يصنع أحزابا.. ولا يصلح من حال الأحزاب إذا وصلت إلي مرحلة الفشل والضمور.. ولدينا شاهد علي ذلك من الأحزاب الغنية حزبان.. حزب الوفد الذي يرأسه رجل الأعمال د. السيد البدوي.. وحزب المصريين الأحرار الذي أسسه وقام علي تمويله من الألف إلي الياء رجل الأعمال نجيب ساويرس.
اظن ان الوضع الذي وصل إليه تراجع حزب الوفد لا يخفي علي أحد.. وقد ظهر ذلك جليا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. كما ان صوته السياسي لا يكاد يسمع أو يميز.. والاتهامات الآن توجه بالجملة إلي الدكتور سيد البدوي بأنه أدار الحزب كمنشأة فردية.. وحول الوفد "العريق" إلي فرع من فروع شركاته وتسبب في إفلاسه.
وخصوم البدوي يقولون إن رجال الأعمال عادة لديهم مصالح أغلبها مع الدولة.. والخوف علي تلك المصالح أضر بالوفد الذي كان يمتلك سمات وقدرات أهمها المعارضة الموضوعية وعدم الدخول في صراع مستمر مع السلطة التنفيذية.. لكن الحزب الآن مؤيد علي طول الخط.. وليس له توجه واضح.. ولذلك انصرف الناس عنه.
والحال في "المصريين الأحرار" ليس بأفضل من "الوفد".. فقد أغدق ساويرس من ماله الكثير علي الحزب في مرحلة الانشاء ومرحلة الانتخابات الماضية.. لكنه الآن.. وحسبما نشرته "الجمهورية" في يوليو الماضي قد توقف عن التمويل اعتراضا علي تحركات قيادات الحزب وهيئته البرلمانية بعيدا عن توجهاته.. حيث اتهمهم بالخروج عن طوعه وعدم الامتثال لأوامره والارتماء في حضن الدولة.. وهو ما سبب له صدمة.. وجعله يشعر بأنه اشتري "الترماي".. وأن الأموال التي أنفقها في الانتخابات فقط حوالي 300 مليون جنيه لم تضمن له تنفيذ أجندته.
وبسبب امساك ساويرس عن ضخ المزيد من الأموال أصبح الحزب يعاني من أزمة طاحنة.. لم يدفع ايجار المقرات ويواجه خطر الافلاس.. لأنه ببساطة لم يتحول إلي حزب جماهيري.. وظل منذ نشأته حزب ساويرس.. يمتلك المال لكنه يفتقد القاعدة الشعبية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف