المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
فـى مـرمى النـيران
أهدانى الدكتور نبيل نجم، سفير العراق الأسبق لدى مصر وجامعة الدول العربية، نسخة من كتابه (فى مرمى النيران) الذى صدر أخيراً، وتناول فيه وثائقياً، فى ٦٧٢ صفحة، أهم حدثين شهدتهما المنطقة فى العصر الحديث، وهما اجتياح القوات العراقية للكويت عام ١٩٩٠، وما سبق وما لحق ذلك الحدث، ثم سنوات الحصار الـ١٣ على العراق، وهى السنوات التى سبقت غزو العراق وتدميره عام ٢٠٠٣، ثم الأحداث التالية للغزو أيضا، والجهود الدبلوماسية والسياسية التى تزامنت مع الحدثين.

اللافت للنظر من خلال وثائق الكتاب أن القاهرة، ممثلة فى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كانت محور التحركات الدبلوماسية والسياسية فيما سبق ولحق اجتياح الكويت، أما فيما يتعلق بالحدث الثانى، وهو الحصار على العراق، ثم غزوه وتدميره فلم تكن القاهرة، ولا غيرها من دول المنطقة، محوراً بأى حال، ولو من خلال جامعة الدول العربية، التى كانت قد انتقلت إليها من تونس حديثاً، إلا أن نبيل نجم كان سفيراً لبلاده لدى مصر منذ ما قبل الحدث الأول، بينما كان سفيراً أيضاً لدى جامعة الدول العربية فيما بعد، ثم وكيلاً لوزارة الخارجية فى بغداد، لذا كان شاهداً على العصر بكل تفاصيله، عراقياً، ومصرياً، وعربياً.

لكن تجدر الإشارة إلى أنه خلال سنوات الحصار الـ١٣ كانت بؤرة الأحداث قد انتقلت إلى نيويورك، حيث العقوبات الدولية، والقرارات المتلاحقة فى هذا الشأن، من خلال الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولى، وبرنامج النفط مقابل الغذاء، وبعضها كان فى النمسا، حيث وكالة الطاقة الذرية، ولجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، مما جعل كل العواصم العربية بلا أى فاعلية، اللهم إلا الالتزام بتنفيذ الحصار على العراق، على الرغم من الأذى الكبير الذى لحق بالأشقاء هناك، وعلى الرغم من تأثر هذه العواصم المباشر بتلك الأحداث وهذه العقوبات أيضاً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وطائفياً.

الدكتور نبيل نجم اختتم كتابه بالقول: إن كل ما تشهده المنطقة من فوضى وإرهاب، وتفكك للمجتمعات على أسس طائفية ومذهبية وعنصرية- إذ لم نعد نسمع شيئاً عن الهوية الوطنية- ما هو إلا نتاج ما حدث للعراق، وما خلفه الاحتلال الأمريكى من آثار مأساوية وكارثية على عموم المنطقة، وجاء فى الكتاب أيضاً أن المستفيد الأكبر الوحيد فى المنطقة من ذلك هو إيران، التى عززت وضعها الاستراتيجى، بفعل إزالة عدوها قديم العهد صدام حسين، ولم ينس المؤلف أن يشير فى هذا الصدد إلى أهمية التأريخ وثائقياً للدول التى ساهمت، بشكل أو بآخر، فى تسهيل العدوان، أو التغاضى عنه فى حينه.

إلا أن ما يلفت الانتباه فى الكتاب أمران أراهما على قدر كبير من الأهمية، الأول منهما أن الرئيس مبارك فيما يتعلق بالحدث الأول، قد بذل جهداً مضنياً، فى محاولة وقف عدوان قوات التحالف آنذاك على العراق، من خلال محاولة إثناء بغداد عن قرار احتلال وضم الكويت، حيث بدا أنه كان من بين كل الزعماء العرب، الأكثر إدراكاً لخطورة الموقف، وقد أرسل فى هذا الصدد نبيل نجم برسائل شفهية وتحريرية عديدة إلى الرئيس العراقى صدام حسين، كما استعان أيضاً بالعاهل الأردنى الملك حسين، فى الوقت الذى وجه فيه نداءات كثيرة من خلال وسائل الإعلام، وهو ما ينفى التكهنات التى أشاعت أنه حرص منذ البداية على الاستفادة من الأحداث فى شطب الديون عن مصر، أو الحصول على معونات، ذلك أن هذه الإغراءات أو المقايضات قد طرحت نفسها فى مرحلة متأخرة.

الأمر الثانى هو أن الحدث، رغم أنه كان خليجياً بالدرجة الأولى، ويعنى دول جوار العراق بدرجة أقل، وهى سوريا والأردن وتركيا، إلا أن مصر كانت محور الأحداث، ليس فيما يتعلق باستضافة اجتماع وزراء الخارجية العرب، أو القمة العربية فقط، إنما كانت القاهرة هى العامل المشترك فى كل التحركات الدبلوماسية الدولية، وحتى التعبوية فيما بعد، وهو الأمر الذى استنكره الرئيس العراقى فى رسائل مباشرة للرئيس مبارك، الذى دافع من جهته عن موقف مصر فى العديد من الرسائل أيضاً، إلا أن ذلك لم يمنع العراق من قطع العلاقات مع مصر فى نهاية فبراير ١٩٩١، مع نهاية العدوان، فى وجود قوات مصرية بحفر الباطن بالسعودية، اعتبرتها بغداد ضمن القوات المشاركة، بينما اعتبرتها القاهرة فى إطار الدفاع عن الأراضى السعودية.

من الأمرين الأول والثانى معاً، نكتشف أن مصر العاصمة، ومصر الرئيس، لا يجب أبداً أن يكونا بمعزل عن الأحداث الدائرة فى المنطقة، بحكم عوامل كثيرة، أهمها التاريخ والجغرافيا معاً، وهو الأمر الذى يجعلنا نتوقف بدهشة أمام ذلك الصمت الحاصل تجاه الأحداث الجارية فى أكثر من بقعة الآن، وبصفة خاصة فى سوريا واليمن والعراق وليبيا، وحتى فلسطين المحتلة، ذلك أن الغياب المصرى قد فتح الباب واسعاً أمام تدخلات غريبة، من عزب ونجوع، فى شكل دويلات، ما كان يجب أبداً أن تمتد يدها هنا أو هناك لمجرد امتلاكها للمال كوسيلة ابتزاز، أو عامل تأليب للطوائف على بعضها البعض.

على أى حال، أرى أن وثائق الدكتور نبيل نجم الذى ضمّنها الكتاب، وحكاياه التى أثرى بها صفحاته، ذات أهمية كبيرة، على الرغم من أنها تتناول أحداثاً مضى على بعضها أكثر من ربع قرن، إلا أنها مازالت تنبض بالحياة، وسط الدراما الحالية، ذلك أنها كانت بداية ما نحن فيه الآن من قلاقل وأزمات تعانى منها المنطقة ككل، إضافة إلى أن نفس مواقف التخاذل العربى تكرر نفسها الآن على كل الأصعدة، بعد أن خرجت صناعة القرار وتقرير المصير إلى عواصم أخرى ليست عربية، ذلك أن الدماء التى تسيل ليل نهار هى بأيد وأموال عربية، وبفعل قيادات غريبة الشكل والمضمون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف