عباس الطرابيلى
تخيلوا.. القمامة مشكلة قومية!!
ما من محافظة ولا مدينة.. ولا حتى قرية أو نجع إلا وأصبحت القمامة مشكلة تؤرق الكل: حكاماً ومحكومين، وأصبحت القمامة هى الملف الأول، والأهم، والأخطر أمام كل محافظ، أو مسؤول، أو حتى رئيس حى.. ويضعها أى مسؤول بمجرد تسلمه مسؤولية عمله فى مقدمة اهتماماته.. ويعقد لها أول اجتماعات.. ويصدر لها أول قرارات أو توجيهات.
ولكن هؤلاء المسؤولين، كباراً أم صغاراً.. ينسون دائماً دعوة ممثلين للعنصر الأهم فى هذه القضية.. وأقصد بهم الناس، الشعب نفسه، أى من يتسبب فى هذه المشكلة.. فالناس تستهلك ثم تتخلص من بواقى ما يستهلكون فى الشوارع.. وكل ما يهم المواطن أن تكون شقته نظيفة.. ولذلك يلقى زبالته إما عن طريقه أو البوابين، أو المكلفين بنقل القمامة إلى الشوارع.. ونسى كل هؤلاء أن ناتج عملهم ذاك يعود عليهم بالضرر والمرض والحشرات والقوارض والذباب.
حقيقة هناك من «يرعى» فى تجمعات هذه القمامة.. وربما الأشهر هى أسراب الماعز، التى تأكل كل شىء.. ونسينا أن الخنازير - وهى الكناس الأول - كانت هى من تنظف، بعد أن تأكل كل ما فى القمامة.. ونسينا أن من بعض المدن المصرية من تطلق أسراب الماعز لتأكل وترعى فى تلال القمامة.. أما فى القرى فربما كانت أسراب البط بالذات هى المستخدم الأول للقمامة.. وللأسف يطلب الناس - ويهرعون - إلى أكل البط البلدى دون أن يعرفوا ماذا يأكل هذا البط.
والأزمة تبدأ بزيادة معدلات الاستهلاك.. إذ يقابل ذلك زيادة متوسط ما يلقى به المواطن فى صفيحة الزبالة.. وتطورت الصفيحة.. لتصبح «جركن» كبيراً من البلاستيك، وهناك من يتخلص من زبالته بإلقاء أكياسها وهو ذاهب إلى عمله، فى الشوارع، أو عند أى ناصية.. ويحكى لى الدكتور عبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة الأسبق، وهو يتألم، رحمه الله.. حكايات السيارات الملاكى وهى تقطع شوارع مصر الجديدة - وهى من أفضل أحياء القاهرة السكنية - ماذا كان رجال المحافظة يرون عند إشارات المرور.. إذ ما إن تقف السيارة الفارهة فى الإشارة، حتى يفتح أحد أبوابها بهدوء، وبالذات المجاور للرصيف - ثم يسقط الراكب كيساً أو عدة أكياس، بجوار الرصيف.. فيها قمامة ومخلفات راكب السيارة الذى يتخلص من زبالته بهذه الطريقة.. ويضيف الدكتور وزير أنه أمر بتواجد رجال من المحافظة، أو من الأحياء، على طول هذه الشوارع ليجمعوا أكياس الزبالة من الساعة السابعة حتى العاشرة!! وتلك مأساة.
فهل كان إلغاء مهمة الزبالين وراء هذه الظاهرة كلها، حتى تراكمت القمامة تلالاً فى الشوارع وعلى النواصى، بعد أن قررنا تحصيل 2٪ من الإيجار على فواتير الكهرباء.. أو الصرف الصحى والمياه.. أم لأن الحكومة قررت إنشاء شركات تتولى المهمة، بديلاً عن الزبالين.. ولما فشلت الشركات المحلية الوطنية لجأنا إلى إنشاء شركات أجنبية متخصصة.. ولكن كل هذه لم تنجح، كما كان ينجح الزبالون فى هذه المهمة.. ربما بسبب جيوش الإداريين والمشرفين الذين تم تحميلهم على كل شركة.
نقول ذلك رغم أن «القمامة.. كنز لا يفنى» ومنها جنى الزبالون ورؤساؤهم أموالاً طائلة.. واقتنوا العمارات والأبراج.. وركبوا أفضل السيارات.. وربما نتذكر فيلم «انتبهوا أيها السادة» للفنانين محمود يس وحسين فهمى، وحكاية الزبال مع أستاذ الجامعة الذى كان يحاول الصمود.. وكانت آخر لقطة أن نجد هذا الأستاذ الجامعى يقود.. عربة زبالة!!
** الخلاصة أن الحكومة فشلت - حتى الآن - فى كل محاولاتها.. رغم أنها كانت ناجحة عندما كان الزبالون يتولونها، بل قام عليها نوع من الاقتصاد المتكامل تعمل فيه فئات مختلفة.. تفيد.. وتستفيد. مع تربية خنازير أعدمناها فى هوجة أنفلونزا الخنازير إياها.. دون أن نوجد لها بديلاً.
** فهل يا ترى نُعيد عصر الزبالين.. ليقودوا عملية تنظيف مدننا كما كانت أيام زمان وكانوا يكتفون بقروش قليلة، اعتماداً على ما كانوا يكسبونه من ناتج جمعهم ثم فرزهم لهذه القمامة.. أرى أنه ليس عيباً أن نعود إلى الاعتماد على الزبالين إن كان ذلك هو الحل.
** ولا ننسى هنا أن فى هذه القمامة اقتصاداً متكاملاً.. ومنفعة لكل الأطراف.. دون أن نرهق الأجهزة المحلية التى تأكد فشلها، والعودة إلى الحق.. مفيدة للجميع!!