زمان ونحن أطفال، كنا نلتقى جميعا، كل الأحفاد، فى منزل جدنا لوالدتنا ليلة أى من العيدين، الفطر أو الأضحي، خاصة إذا جاء فى الصيف، ونتجمع حول خالنا الأصغر ليصنع لنا «طيارة ورق» هدية العيد لكل طفل بالعائلة، وكان يتفنن فى تلوينها بالورق الشفاف الملون، وهو الورق الخاص بتجليد الكراريس والكشاكيل..وكان خالنا «رحمة الله عليه» يجهز كل ما يلزم لإعداد الطيارات، وطبعا أساسها المكون من الخوص الذى يقطع لثلاث عصى متساوية فى الطول وتثقب بالوسط حتى نربطهما بالخيط معا مع توزيعهما لاحقا لتكوين الشكل السداسى للطيارة. واعتاد خالنا الجميل أن يبلغنا قبل العيد بالألوان التى نريدها حتى لو اخترنا مائة لون للطيارة، فما دام معنا اللصق فلا شيء مهما، وكان أحيانا يستخدم خلطة النشا مع الماء بدلا من اللصق، إذا كانت الطيارة كبيرة. ومن عادات خالنا، أن يترك لنا عمل ذيل الطيارة من الورق المشرشر والمزركش، على أن يوفر لنا الخيط اللازم لتطييرها، وهو نوع قوى يتحمل وزن الطيارة عندما ترتفع لمسافات بعيدة، وأتذكر أنه فى أول يوم عيد لى مع طيارتى الجديدة أن علمنى خالى كيف أطيرها من أعلى سطح منزل جدنا، وقد كان الأعلى فى المنطقة وقتها فى حين أنه لا يكاد يظهر حاليا من كثرة الأبراج التى بنيت حوله. كما علمنا خالنا كيف نستخدم الخيط حتى ترتفع الطيارة أكثر وأكثر، وكيف نحدد اتجاه الريح حتى يأخذ الطيارة لمسافة أعلي.
لم يكن الأمر سهلا فى بداية الأمر، فثمة مشكلات كثيرة منها على سبيل المثال، أن تسقط الطيارة فجأة على الأرض فتكسر عصيانها ــ أركانها ــ أو يختل ميزانها، وهو مثلث رأسه فى المنتصف والقاعدة تمتد بين ضلعين من الشكل السداسي، ويكون المثلث فوق الذيل مباشرة، وكلمة الميزان هنا لأن المثلث يتوسط الطيارة بالضبط وبالتالى نربط الخيط فى رأس المثلث، ثم نبدأ فى تطييرها مسافة قليلة حتى يأخذها الهواء لأعلى وهنا يجب علينا أن نفرد بكرة الخيط بنفس مقدار الارتفاع حتى لا يختل توازن الطيارة. والمفاجأة الأحلى أن الطيارة لا تلغى عيدية خالنا، فهى ثابتة لكل فئة عمرية وتزيد مع زيادة أعمارنا، ولكن من يمتلك طيارة ورق له مكافأة بسيطة بمقدار مسافة ارتفاع طيارته.
لم نعد نصنع الطيارة الورق ونكتفى بالصينى، فقد ذهب خالنا الأصغر والأكبر الذى علمنا كيف نصنع الفوانيس والمراكب والعرائس وكل المجسمات من الورق، وذهب أحبابنا، أباؤنا وأمهاتنا، ولكن تبقى حكاياتهم الجميلة حية فى ذاكرتنا لا ننساها. وعيد سعيد لكل المصريين.