المتابع لتطورات الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم لن يجد عناء في اكتشاف سرعة وتيرة تقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سياسة فرض قراراته علي دول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي حتي أصبح بوتين أقرب من أي وقت مضي من سحب البساط من تحت أقدام الرئيس الأمريكي وتولي زمام الأمور في العالم لتعود روسيا كما كانت في الماضي أكثر من مجرد ند للولايات المتحدة التي ظلت لعقود طويلة تسيطر علي الكرة الأرضية وتفرض سياساتها الخاطئة دون اعتراض من أحد.
روسيا اليوم في عهد بوتين أقوي من الاتحاد السوفييتي أيام جورباتشوف الذي كان سبب تفككه عام 1991 . فمنذ ذلك الحين تأخرت روسيا عن ركب المنافسة مع الولايات المتحدة بما لا يقل عن عشر سنوات في كل المجالات سواء العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية أو حتي الاجتماعية. ولا ننسي وقت أن كان ضباط الجيش الروسي يقبضون مرتباتهم خضر وفاكهة نظراً لانهيار الروبل الروسي.
الآن استطاع الرئيس الروسي قيادة بلاده للمقدمة من جديد في المجالات السياسية فخرجت تصريحات من دول أوروبية مختلفة تعترف بخطأ موافقتها علي فرض عقوبات اقتصادية علي روسيا منذ عدة سنوات. وتؤكد أن مستقبلها ـ الدول الأوروبية ـ مع التعاون الأوروبي الروسي وليس مع العداء مع موسكو.
استطاعت القوات الروسية أيضاً أن تضع أقدامها وتثبتها بكل قوة في منطقة الشرق الأوسط التي ظلت حكراً علي الأسطولين الخامس والسادس الأمريكيين طوال سنوات غياب الروس عن العالم. فاستطاعت روسيا فرض حلولها للأزمة السورية علي الولايات المتحدة حتي اضطر جون كيري وزير الخارجية الأمريكي للجلوس مع سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي للتباحث بشأن حل الأزمة السورية والقضاء علي داعش.
استطاع الرئيس الروسي النهوض باقتصاد بلاده الذي تماسك علي الرغم من الضربات المتتالية بفعل المؤامرات الأمريكية لإسقاط الدب الروسي. واستطاع أيضاً استعادة سوق السلاح الروسي في العالم . بل وتطوير منظومات صواريخ "إس" فأنتج منه إس 300 . وإس 400 . وإس 500 . حتي أصبحت منظومة الدفاع الجوي الروسية هي الأقوي في العالم . ومنذ يومين تم الإعلان عن إنتاج أقوي صاروخ روسي يحمل عشر رؤوس نووية تزن عشرة أطنان يمكنها اختراق أي منظومة دفاع جوي معادية في العالم. هذا بخلاف استعادة مصانع طائرات الميج والسوخوي الروسية لمكانتها في ظل منافسة شركات مثل لوكهيد مارتن ونورثروب جرومان الأمريكيتين اللتين تنتجان طائرات الشبح وإف 16 وإف 22 . وبجانب ذلك التطوير السريع الذي شهدته صناعة السفن والغواصات الروسية والتي باتت تمثل تهديداً فعليا للصناعات الحربية الأمريكية.
من أهم اسباب نجاح السياسة الروسية من وجهة نظري أنها تعتمد علي الصراحة والوضوح في العلن دون اللجوء للتآمر إلا إذا لجأ لذلك خصومهم. فالرئيس بوتين يعامل رؤساء الدول باحترام شديد ويعامله قادة العالم بالأسلوب نفسه . ويتعامل مع الدول بأسلوب الشراكة والتعاون وليس الاستعلاء كما يفعل رؤساء أمريكا المتعاقبون . أضف لذلك حرص الرئيس بوتين علي ألا يقع في أخطاء ساذجة كالتي وقعت وما زالت تقع فيها الأجهزة الأمريكية وفي مقدمتها جهاز الاستخبارات "سي آي إيه". ومن تابع قمة العشرين التي عقدت في الصين مؤخراً يكتشف كيف عامل الرئيس الروسي قادة العالم وكيف عاملوه . وأيضاً كيف عامل الرئيس الأمريكي أوباما قادة العالم وكيف عاملوه.
ومما يدل علي حالة الرعب التي يعيشها المسئولون الأمريكيون من نجاح السياسة الروسية في إقصاء الولايات المتحدة من المقدمة والجلوس مكانها ما قالته المرشحة الأمريكية للرئاسة هيلاري كلينتون من أنها تخشي من تدخل الرئيس الروسي بوتين في الانتخابات الأمريكية بما يؤثر علي النتيجة النهائية لصالح المرشح المنافس دونالد ترامب الذي أعلن أكثر من مرة احترامه للرئيس بوتين وتطلعه للجلوس معه لحل مشكلات العالم.
تابعوا تصرفات وتصريحات وقرارات الرئيس بوتين خلال الفترة المقبلة . وتابعوا أيضاً تصرفات وتصريحات وقرارات الرئيس الأمريكي القادم لتعرفوا إلي أين يتجه العالم خلال العقود المقبلة.