المساء
مؤمن الهباء
سد النهضة.. ومسارات جديدة
ليس جديداً.. ولم يكن مفاجئاً.. تأجيل التوقيع علي العقد الخاص بدراسات سد النهضة الاثيوبي مع المكتبين الاستشاريين الفرنسيين لأجل غير مسمي.. فقد اعتدنا علي هذه المراوغات والمماطلات المريبة.. وتراكمت لدينا عقيدة بأن مسار التفاوض في ملف السد صار مخادعة هزلية.. تعتمد علي الغموض والتهرب من أي استحقاقات.. بالضبط كما تفعل اسرائيل في مفاوضاتها الهزلية مع أشقائنا الفلسطينيين حول حل الدولتين.
إثيوبيا تسير علي نفس النهج الاسرائيلي.. مدعومة بخبرة وتأييد حكومة نتنياهو الارهابية.. التي لا تقيم وزنا لقانون أو قرارات أو اتفاقات.. وأبسط دليل ان الاتفاق علي المكاتب الاستشارية تم في أغسطس ..2014 وبرغم ذلك فالتوقيع علي العقود التي تحدد المهام والدور القانوني والاستشاري للمكاتب لم يتم.. وبدا واضحاً لكل ذي عينين أن النية مبيتة لاغراقنا في تفاصيل التفاصيل حتي يكتمل بناء السد ويصبح من المستحيل اجراء أي تعديل أو تغيير في التصميم توصي به الدراسات الاستشارية.. وبالتالي يصبح وجود المكاتب ودراساتها غير ذات جدوي.
المشكلة من وجهة نظري أننا أعطينا اثيوبيا ثقة لا تستحقها.. واعتمدنا علي حسن النية.. بينما كانت استراتيجية اثيوبيا. ومعها السودان. تقوم منذ البداية علي المماطلة والمراوغة لحين فرض الامر الواقع.
وللأسف مازالت هذه الاستراتيجية تطبق بنجاح باهر..ويكفي في هذا الصدد أن قرار تأجيل التوقيع الثلاثي علي عقد المكتبين الفرنسيين لم تعلن أسبابه بصورة محددة.. وإنما ترك الأمر للتخمين.. هل هناك خلافات قائمة بين المكتبين؟! هل هناك مشكلة في منح التأشيرات السودانية للوفود التي ستحضر التوقيع؟! هل سحبت اثيوبيا موافقتها علي المكتب الذي رشحته مصر؟
أليس من حق المصريين أن يعرفوا ما يدور في هذا الملف الخطير الذي يتعلق بأمنهم القومي.. أم ان المطلوب ان نظل غارقين في تصريحات وزير الري البائسة التي لم نر لها علي الأرض أي ظل من الحقيقة؟.. فالرجل يردد تصريحات وردية جعلتنا نصدق ان الأمور تسير علي ما يرام.. وكل شيء تمام.. ليس هناك أي مشاكل.
مرة يقول ان حصة مصر من مياه النيل آمنة ومضمونة ولن تنقص عن مقدارها المقرر عبر التاريخ وهو 55.5 مليار متر مكعب.. بل ان الدولة تعمل علي زيادة الحصة بالتعاون والترابط مع دول حوض النيل.
ومرة أخري يؤكد ان سد النهضة لا يمثل خطورة علي مصر.. وان المفاوضات مع اثيوبيا تسير بشكل جيد.. واثيوبيا لن تقبل بأي ضرر يلحق بالمصريين.
يصر الوزير علي هذه التصريحات المهادنة والمخدرة بينما كل التصريحات التي تخرج من اثيوبيا استفزازية مؤلمة.. وآخرها تصريحات وزير الاعلام الاثيوبي لصحيفة الشرق الأوسط التي قال فيها ان السد قائم ولن يتأثر بناؤه بتقارير اللجان الفنية والمكاتب الاستشارية.. واذا كان هناك من يري أنه سيتضرر فهذه ليست مشكلتنا في اثيوبيا.. وعلي الذين يتحدثون عن الحقوق التاريخية ان يتوقفوا ويعلموا أن هذه مفاهيم بالية عفا عليها الزمن.
لذلك.. أقول إنه يجب علينا من الآن البحث عن مسار آخر.. أو مسارات أخري لانقاذ ما يمكن إنقاذه.. لقد مددنا حبل الصبر إلي نهايته.. ولابد ان يكون لدينا البديل أو البدائل التي تسير جنباً إلي جنب مع المفاوضات يجب أن تعرف اثيوبيا ان لم تكن تعرف بعد انها ليست اسرائيل ومصر ليست منظمة التحرير الفلسطينية وان المصريين لن يقبلوا بهذا التلاعب حتي النهاية.. ولن يستسلموا للأمر الواقع الذي يراد فرضه عليهم.
ان العقد الخاص بالمكتبين الاستشاريين الذي تم تأجيل التوقيع عليه يتعلق فقط بتنفيذ الدراسات الفنية التي تحدد الآثار السلبية للسد علي مصر والسودان فضلاً عن قواعد الملء والتفريغ. وهي دراسات ابتدائية- كما تري- تأخرت كثيراً بالنظر الي معدلات بناء السد والتي تجاوزت الآن 80% وهو ما يجعل هذه الدراسات بلا فائدة.
ويقول الدكتور شهاب أستاذ القانون الدولي اذا استمر تنفيذ سد النهضة بالمواصفات التي أعلنتها اثيوبيا دون إعادة نظر فسيلحق ضرراً بالغاً بالأمن القومي المصري.
إذن لابد من البحث عن مسارات أخري.. ومسارات جديدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف