العدالة هي مصطلح يعبر عن مفهوم أخلاقي يقوم علي الحق والعقل والقانون. وهي مجموعة من القواعد القانونية والأخلاقية التي تقوم علي أساسها المجتمعات الإنسانية بضبط العلاقات بين أفراد المجتمع ومؤسساته لبناء واستمرار السلم المجتمعي من خلال ضمان تحقيق أهدافها المتمثلة في الانصاف والمساواة وحفظ التوازن بين مكونات المجتمع وترسيخ مبدأ عدم التعدي وحماية المصالح الفردية والعامة. فإذا افتقد المجتمع بعض مقومات العدالة أصبح عرضه للصراع والتصدع والتفكك والانهيار. ولذلك جاء في الأثر "إن العدل أساس الملك". وبالتالي لا يستقر ملك بلا عدل.
وتعتبر السلطة القضائية في النظم السياسية المعاصرة بيت العدالة وحصنها الآمن في مواجهة أي عسف أو جور يتعرض له الفرد أو الجماعة سواء من الأفراد أو السلطات الأخري القائمة في المجتمع. وتقتضي الظروف والملابسات المحيطة أن نفتح الأقواس علي مجموعة من التساؤلات التي باتت الإجابة عنها أكثر إلحاحا عن ذي قبل في ظل الدعوة إلي الحوار حول تجديد الخطاب الديني.
وتأسيسا علي ما تقدم يواجه مرفق العدالة منذ عدة عقود أزمة طاحنة ازدادت عمقا بظهور بوادر اختلال توازن العلاقة بين مكونات المجتمع وأفراده وجماعاته وطبقاته. حيث تعامل معها نظام مبارك بتجاهل تام أحياناً وبالحصار الأمني أحيانا أخري. لقد بدأ ميزان العدالة في الاختلال مع عصر الانفتاح وتغول الرأسمالية المنفلتة وتفاقم أزمة البطالة وتسرب فكرة توريث الوظائف الحكومية الرفيعة إلي أعماق قطاعات حساسة ومؤثرة في الدولة المصرية منها القضاء والشرطة والبنوك والبترول والجامعات. وانتشرت شيئا فشيئا في بقية مرافق الدولة ومؤسساتها حتي أدي توريث الوظائف المتميزة إلي تنامي ظاهرة المحسوبية علي امتداد الوطن ليشمل الوظائف الدنيا في المجتمع. ومعه تصاعدت حدة أزمة العدالة في جميع مؤسسات الدولة كما عبرت عنه قضية تزوير الانتخابات البرلمانية لصالح حزب السلطة إثر مشاركة بعض القضاة فيها عام 2005. وعندما تصدي شيوخ القضاة لقضية التزوير تحت عنوان ضرورة استقلال السلطة القضائية بقيادة نادي القضاة ورئيسه- في ذلك الوقت- المستشار الجليل زكريا عبد العزيز ورفاقه وقفت الدولة بسلطتها التنفيذية اللامحدودة في مواجهة قضية العدالة بكل صلف واستخدمت كل أدواتها اللاأخلاقية لتجفيف منابع فكرة الاستقلال والانحياز إلي قضية الحق والعدل داخل أهم كيان يمثل السلطة القضائية. وتصاعدت أهمية قضية العدالة في المجتمع إلي ذروتها بعد التزوير الفج لانتخابات مجلس الشعب في عام 2010. وكانت انتفاضة ممثلي السلطة القضائية مرجعية الوعي المتنامي التي أججت ثورة 25 يناير 2011 واستنفرت جذوتها الكامنة في موجتها التصحيحية في 30 يونيو 2013 بعد محاصرة المتطرفين والموتورين للمحكمة الدستورية العليا وإصدار الإعلان الدستوري المشين.
وما زالت العدالة تواجه المأزق تلو الآخر دون مواجهة صادقة للذات بضمير جمعي مؤسسي فطن. فميزان العدل يواجه اليوم قضيتين مطروحتين علي الرأي العام وألاهما: قضية توجيه اتهام للمستشار الجليل الشريف زكريا عبد العزيز باقتحام مبني أمن الدولة في أعقاب ثورة يناير رغم شهادة الشهود العدول التي تنفي ذلك نفيا قطعيا. وثانيهما: استبعاد تعيين 138 شابا من النيابة العامة لعدم حصول الوالدين أو أحدهما علي مؤهل عال وما تثيره هاتان القضيتان من علامات استفهام تفتح الأقواس ولا تغلقها فما وجه الحقيقة في قضية التحقيق مع شيخ جليل من شيوخ القضاة بادعاء انتمائه لجماعة الاخوان الإرهابية مرة ثم ادعاء اقتحامه لمقر أمن الدولة أثناء ثورة يناير مرة ثانية بعد سقوط القضية الأولي لتهافت أدلة الإدانة؟. إذا كانت إحدي مؤسسات مرفق العدالة تتعامل بصورة انتقائية متحيزة مع قاض جليل وشيخ من شيوخ القضاة فتسارع في تقديمه إلي لجنة الصلاحية في غضون أيام معدودة بينما تتعثر عشرات البلاغات الجدية في أدراجها لعدة شهور. بل وأعوام ضد شخصيات أخري في المؤسسة نفسها. تري لماذا؟ وما سبب تجاهل قاضي التحقيق لجميع حوافظ مستندات البراءة المقدمة له بما في ذلك شهود نفي واقعة الدعوي؟ وإذا كانت مؤسسة العدالة تتصرف بتلك الطريقة الخشنة مع شيخ من شيوخ القضاة فكيف يطمئن لحيادها المواطن البسيط الذي لا يكاد يعرف طريقه إلي باب المحكمة؟ وأخيراً ما علاقة قضية التحقيق مع المستشار زكريا عبد العزيز بفتح باب الترشح لرئاسة نادي القضاة بعد تأجيله غير مرة؟وما علاقة تأجيل التحقيق مع المستشار المحترم بغلق ملف امكانية ترشح المدعي عليه لرئاسة النادي نهائيا؟ ومن يقف وراء تلك القضية؟ هذه مجرد تساؤلات مشروعة في الملف المسكوت عنه.