عبد المنعم فؤاد
الحج والأزهر وفتنة التدويل
الحج فريضة من فرائض الإسلام، وركن أصيل من أركان هذا الدين الحنيف، حُدد مكانه، وزمانه وبين المصطفي فيه كل معالمه، وألقي يوم الحج الأكبر يوم عرفة خطبته العالمية التي تؤكد علي حرمة الدماء، ووحدة الصف، والتخلق بأخلاق الله، فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحج، ودعا أبناء الأمة في قاراتها الخمس أن يلتزموا بهذه المبادئ الراقية في التخلق، والتوحد، والسلم، والأمن، وأن يكون شعارهم في هذا اليوم: ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) هذا الشعار هو الذي يسود وحده علي أرض عرفة:( يوم الحج الأكبر ). فالجميع هناك بزي واحد، ولسان واحد، وشعار واحد يقفون علي صعيد واحد: سواسية كأسنان المشط، يولون وجوههم شطر بيت واحد بيت الله الحرام، لا تري فرقا بين رئيس، ومرؤوس، ولا مالك، ولا مملوك، ولا غني، ولا فقير، ولا وزير ولا خفير.. كلهم عباد الله إخوان، تجمعهم لغة التوحيد لا لغة العنصرية والجاهلية، ولا لغة التفرق، والتظاهر المقيت.
فالحج يجب أن يكون لله تعالي فقط، لا لأمر دنيوي، ولا لفكر طائفي. علي هذا أجمع المسلمون علي احترام هذا الركن، وتعظيم شعائره التي عظمها الله جل في علاه.(ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب) الحج /32.
غير أننا نري هذه الأيام أن شيعة إيران شذت عن جموع الأمة بإقصاء حجاجها عن بيت الله تعالي، واستعملت لغة التهديد، والوعيد للقائمين علي تنظيم الحج!، لا لسبب سوي أنها لا تقبل بالضوابط التي وضعها القائمون علي التنظيم مثل : منع تظاهرات الحجاج الإيرانيين بين المسلمين، والالتزام بوحدة الصف، والإقامة وغيرها حتي لا تحدث فوضي في اجتماع عالمي كبير كهذا.. وهذه الضوابط من البدهيات التي لا ترفضها أي دولة..
فرأت إيران أن ذلك إجحافا بحقها في التظاهر ضد الشيطان الأكبر الذي تدعيه كل عام، وهي معه في غير الحج حليفة، وصديقة - سبحان الله.. ففكرت، وهددت، وتوعدت علي لسان كبرائها - بعدم استقرار الحج هذا العام، وطالبت بتدويله بين الدول الإسلامية، لأن السعودية - من وجهة نظرها- عاجزة عن حماية الحجيج، واستشهدت بان العام الماضي أكثر من قتل هناك من الإيرانيين،.. وهذه نغمة طائفية، وعدائية ليس لبلاد الحرمين فحسب، بل- من وجهتي - للأمة الإسلامية جمعاء. فالحجاج هناك هم حجاج العالم الإسلامي كله، فهل من حق إيران أن تتوعد الأمة بكاملها، وتقلق الأسر في كل انحاء الدنيا علي أمن حجاجها ؟؟!.
ثم لماذا هذا التجرؤ الذي لا يمكن أن تفعله دولة غير اسلامية، فما بالنا لو كان الفاعل يحمل شعار الإسلام، ويسمي دولتة الدولة الإسلامية ؟!.
إن المسلمين في كل بقاع الدنيا لا يقبلون أن يحمل أحد في الحج شعارات سياسية، ولا ينادي بتظاهرات طائفية، وواجب علي الأمة بكاملها أن تتصدي لأصحاب هذه الشعارات الخاطئة: بقادتها وعلمائها ورؤساء بعثاتها لسلامة هذا الركن الركين في الإسلام.. فالأدلة الشرعية، وإجماع أهل العلم : أكدت أنه لا يجوز أن يكون الحج والعمرة إلا لله. قال تعالي ( وأتموا الحج والعمرة لله ) البقرة 196. وليس لصالح دولة ما، أو طائفة ما، أو فئة ما،.
أما رفع شعار التدويل للحرمين من الشيعة فهذا حلم إبليس في الجنة- إن صح التعبير- فالذين يقومون علي خدمة الحجيج يقومون بذلك علي أكمل وجه، ولا يقصرون في شيء، وشاهدنا ذلك باعيننا، بل شاهد كل مسلم جاء من أي بقعة في الدنيا مدي رُقي هذه الخدمة، وتقدمها عاما بعد عام، وأهل السنة يمثلون (90) في المئة من مسلمي العالم : اجمعوا علي توكيل هذا الأمر للبلد الذي يقع فيه الحرمان النبوي، والمكي، وليس لايران، ولا للصومال، ولا حتي لمصر. فلماذا يريد آيات ايران الذين يخالفون الأمة : بلعنهم لكبار الصحابة معتقدا، كما هو غير خفي: أن يجعلوا كلمتهم علي المسلمين السنة هي العليا ؟!.
من أعطاهم الحق في ذلك؟، وهل لو وكل الأمر لايران لتدير شأن الحرمين مثلا : ستُبقي علي قبري أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما في المدينة، وهي التي بنت قبرا لأبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر - -في أرضها، وسمته: (قبر أبي شجاع ) وتعظمه أيما تعظيم بسبب قتله لعمر- رضي الله عنه- وهو يؤم المسلمين لصلاة الفجر؟!. هل شيعة إيران يمكن أن تُؤمّنهم الأمة علي مقدساتها، وهي علي هذا المعتقد ؟
أما كان الأولي أن تستحي إيرآن من هذه الدعوة، أو الفتنة التي تريد إشعال نارها في أيام الحج كل عام ؟!.
لذا احسن الأزهر الشريف الممثل الرسمي لأهل السنة في العالم في إصدار بيانه الصائب علي لسان هيئة كبار علمائه مستنكرا لهذه الدعوة التي تفرق الجمع، ولا توحد الصف، وتشوش علي عقول المسلمين، واعتبرها دعوة تمثل بابا جديدا من أبواب الفتنة، وقالت الهيئة في بيانها ( إنه انطلاقا من مسؤلية الأزهر الدينية، والشرعية تستنكر الهيئة.. هذه الدعوات المقيتة - دعوات التدويل - من بعض القوي الإقليمية لتدويل إدارة الحرمين الشريفين - والتي تحاول إعادة هذا الطرح إلي الظهور مرة أخري بعد أن رفضته الأمة حيث أثير في سبعينيات القرن الماضي محذرة من الفتن، وكافة الأفكار المغرضة التي تعمل علي تفكيك الأمة، وهدم بنيانها، وتمزيق أوصالها، والتي آخرها ظهور من يعلن عن تشكيل جيش طائفي داخل بعض أقطارنا العربية.
ثم حيت هيئة كبار العلماء بالأزهر: روح البذل، والعطاء التي يتسم بها، والشعب السعودي الشقيق وقيادته ، والتي تتجلي في رعاية المشاعر المقدسة، وخدمة الحجاج، وتنظيم أداء المناسك، وتيسير أمورها بما أفاء الله عليهم، وتسخير كافة إمكاناتها لتحقيق ذلك.
وعليه فمن الواجب : إبعاد أمور العبادات الشرعية، وأركان الدين..عن الخلافات الطائفية والسياسية لأن ذلك لا يجلب خيرا للأمة..)..
ونُثمّن حقا هذا البيان، ونشد علي يد علماء الأزهر الذين يقفون دوما بالمرصاد ضد أي بادرة فتنة يلوح بها آخرون، فالأمة في حاجة إلي من يجمعها لا يشتتها، ومقدسات الأمة أعز علي أبنائها من النفس والمال، والولد، ولا يستطيع مدع أنه يمكنه هز الأمن علي أرض الحرمين بدون أن تُحمّله الأمة عاقبة أمره، وكان علي القائمين علي دعوة التدويل، والتهديد أن يوجهوا طاقتهم العدائية ضد من يحتلون بيت المقدس، لا من يخدمون الحرمين الشريفين، وضيوف الرحمن فيه، فهذا البيت هو مُؤمّن بفضل الله ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)- الحج / 25- وقد أراد له (أبرهة الحبشي) من قبل، وكاد له كيدا: فتخطفته وجنوده الطير الأبابيل، فاعتبروا يا أولي الألباب.