الأهرام
سلوى العنترى
الاحتكارات والدعم ولبن الأطفال
الحكومة عقدت العزم على تخفيض عجز الموازنة العامة. شمرت الحكومة عن ساعديها وبحثت حولها ووجدت أن أفضل نقطة للبدء هى تخفيض دعم لبن الأطفال! التصريحات الرسمية المتوالية خلال الأسبوع الماضى توضح أن الحكومة حققت نجاحا مؤزرا وتمكنت من تخفيض تكلفة هذا الدعم من 450 مليون جنيه إلى 380 مليونا. ياسلام.. الحمد لله.. الحكومة نجحت فى توفير 70 مليون جنيه.. نواة تسند بها الزير الذى اختل توازنه بفعل المليارات المنهوبة من دعم القمح.

طبعا كلنا تابعنا خلال الأسبوع الماضى الأزمة المتعلقة بتوزيع ألبان الأطفال. وكلنا يعرف أن الأزمة قد حدثت عندما أصدر وزير الصحة قرارا حاسما لا رجعة فيه بالتطبيق الفورى للمنظومة الجديدة لتوزيع ألبان الأطفال المدعمة، على أساس أن تلك المنظومة ستضمن وصول الدعم إلى مستحقيه دون غيرهم. كلام جميل ولا غبار عليه، خاصة مع ما يتردد عن تسرب نسبة معتبرة من اللبن المدعم سواء لمحال الحلوى أو للبيع بسعر السوق. المنظومة الجديدة تتلخص فى قصر توزيع تلك الألبان على المنافذ التابعة لوزراة الصحة، وأن يكون ذلك من خلال بطاقات ذكية، وبعد أن يتم التحقق من توافر عدد من الشروط فى المستفيدين. مرة أخرى كلام يبدو جميلا ولا غبار عليه.. ولكن المشكلة دائما تكمن فى التفاصيل.

التفاصيل تقول إن التطبيق الفورى للقرار تم قبل إخطار المواطنين بتغيير أماكن التوزيع وقبل حصولهم على البطاقات الذكية، بل وحتى قبل أن يتم نقل الألبان من مخازن الشركة المصرية لتجارة الأدوية، التى كانت تتولى التوزيع قبل صدور القرار، إلى المنافذ التابعة لوزارة الصحة . التفاصيل تقول أيضا إن استخراج البطاقة الذكية يتطلب تقديم طلب ودفع رسوم 15 جنيها ثم الانتظار لمدة أسبوعين للحصول على البطاقة. السؤال هو ماذا يفعل الرضيع خلال هذين الأسبوعين وماذا تفعل الأم إذا كان ثمن علبة لبن الأطفال المباعة فى الصيدليات، بفرض توافرها، لا يقل عن 60 جنيها؟.

قرار وزير الصحة رقم 637 لسنة 2016 حدد الفئات المستحقة للألبان المدعمة فى أربع فئات: الأم غير القادرة على الرضاعة الطبيعية، الأم المريضة، الأم التى لديها توأم، الأطفال الذين توفيت والدتهم. طبعا مسألة التوأم أو مرض الأم أو وفاتها كلها أمور يمكن إثباتها بمستندات وتقارير طبية. أما إثبات عدم القدرة على الرضاعة الطبيعية، فيتطلب كشفا طبيا على ثدى الأم. الكثيرون يرون أن الطريقة التى يتم بها التأكد من استيفاء هذا الشرط مهينة لكرامة المرأة المصرية، حيث يتم إجراء الكشف فى داخل الوحدات المتنقلة التابعة لوزارة الصحة فى الشارع!.

الأهم من كل ما سبق هو أن المنظومة الجديدة قد اقترنت بإلغاء الدعم المقدم للأطفال الرضع فوق سن ستة شهور. وزارة الصحة كانت توفر عبوات ألبان بدعم كامل بالنسبة للأطفال حتى سن ستة أشهر، وبدعم جزئى للأطفال من ستة أشهر لسنة. الوزارة قامت بتخفيض عدد عبوات الألبان التى تعاقدت على استيرادها من 23 مليون عبوة إلى 18 مليون عبوة، ورفعت سعر عبوات الدعم الجزئى إلى 26 جنيها، أى نفس الثمن الذى دفعته الوزارة لتدبير هذه العبوات. الرضيع المصرى فوق ستة أشهر أصبح محاصرا بين إلغاء دعم ألبان وزارة الصحة، من جهة، وسطوة احتكارات الاستيراد، من جهة أخري. الاحتكارات فرضت ثمنا للعبوة لا يقل عن 60 جنيها، فى الوقت الذى لا تتجاوز فيه تكلفة استيرادها ونقلها 26 جنيها.

الحل الذى طرحه الجيش بالتدخل لاستيراد 30 مليون عبوة ليتم توزيعها على الصيدليات وبيعها للمواطنين بسعر 30 جنيها للعبوة، يؤكد مرة أخرى أهمية وجود مؤسسات مملوكة للدولة قادرة على التدخل كمنافس قوى فى مواجهة احتكارات القطاع الخاص. الأزمة تؤكد ضرورة فتح كل ملفات التشابك بين الاحتكارات ومواقع السلطة التنفيذية، وما يؤكده البعض من ضغوط لإزاحة الشركة المصرية لتجارة الأدوية، وهى الشركة المملوكة للدولة وذات التاريخ الطويل فى استيراد الأدوية وألبان الأطفال، لحساب عدد من شركات القطاع الخاص على وجه التحديد.

كلمة أخيرة للحكومة: ألم يتم التعهد من جانبك ومن جانب صندوق النقد الدولى بالحفاظ على دعم المواد الغذائية وعلى دعم ألبان الأطفال على وجه التحديد ؟ كيف يستقيم إلغاء الدعم الجزئى لألبان الأطفال الرضع مع توفير الحماية الاجتماعية لمحدودى الدخل ؟ وهل يتعين إذن ألا نأخذ تعهدات الحكومة مأخذ الجد؟ ربنا يستر.!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف