الأهرام
أشرف محمود
بالدعاء والعمل تنهض الأمم
بينما يقف الحجيج اليوم علي صعيد عرفات رافعين أكف الضراعة إلي الله، في مشهد عظيم يلهجون بالدعوات أن يتقبل منهم اعمالهم، ويغفر لهم زلاتهم، يقف ملايين المصريين مشدوهين امام الشاشات يتابعون حركة الحجيج في عرفة ويستمعون إلي خطبة عرفات، ويذرفون الدمع تأثرا بالمشهد العظيم الذي تمنوا لو انهم كانوا من شهوده.

أقول علي الجميع أن يتذكر الوطن، وأن يخصه بالدعوة إلي الله أن يحفظه ويرد عنه كيد الكائدين، ويفجر الخيرات من أرضه ، ويصون حدوده ، ويجمع شمل أهله ، ويؤلف بين قلوبهم ، ليعملوا من أجله ، حتي ينهض من عثرته الاقتصادية ، ويحلق في فضاء المجد الذي يليق به ، فالدعوات وحدها لا تنهض بالأمم، وإنما الدعوات الصالحات المخلصة المقرونة بالعمل أسوة بدعوة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي ترك بعيره خارج المسجد دون أن يقيد حركته توكلا منه علي الله ، فقال له الرسول اعقلها وتوكل ، أي قم بواجبك في الحفاظ عليها ثم توكل علي الله. ومن عجب أننا لم نسمع يوما عن أن من قاموا بالإضراب وحصلوا علي المكافآت ، هموا بتشمير السواعد وتعويض ما فات من إنتاج ، وبالتالي تمر الأيام وتحقق الشركة خسائر كالعادة ويتكرر مشهد العام الماضي من تظاهر وإضراب حتي تصرف لهم المكافآت، وهكذا تكرر المشهد عدة مرات خلال السنوت الماضية دون أن يلتفت أحد إلي أننا بصدد أزمة اقتصادية كبيرة ستأكل الأخضر واليابس ، فكان أن ظهرت أزمات من نوعية انهيار الجنيه أمام الدولار، ولم تفلح المشروعات العملاقة التي أنجزتها الدولة في تحريك العجلة الاقتصادية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، والتي يكتوي بنارها المواطن البسيط الذي يملك قوت يومه بالكاد ، وتتكشف كل يوم قضايا فساد تتساقط معها الأقنعة لعدد من الشخصيات المسيطرة علي قوت الشعب والمحتكرة لاستيراده كالقمح ولبن الأطفال، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسة العسكرية من أجل التدخل لحماية البسطاء في الوقت المناسب وإيقاف نزيف الأسعار وغياب السلع الضرورية، فإن الجهود المطلوب بذلها لمكافحة الفساد بحاجة إلي تعزيز لتقدر علي الضرب بيد من حديد، فبدون الحزم لن تتمكن الدولة من إعادة الأمور إلي نصابها. وهنا يحضرني سؤال: هل قامت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس النواب في قضية القمح من زيارة كل الصوامع، أم أنها اكتفت بما زارته وبما كشفته من فساد بالملايين في زياراتها لمواقع قليلة جدا قياسا بعدد الصوامع في مصر ، وها هو عدد من التجار الجشعين ينقذ رقبته بسداد الملايين حسب تقدير اللجنة ، فكم من الملايين ستسدد للدولة في حال زيارة كل الصوامع ، ومتي نسمع عن تشريع أشد غلظة واقوي ردعا في هذه القضايا يجعل المتاجر بقوت الشعب عبرة لكل من يعتبر ، والحال ليس حكرا علي القمح، وإنما يمتد إلي لبن الأطفال وغيره مثل الأدوية التي تختفي لقلة سعرها وبعد فترة تعود بسعر أعلي دون رقابة ، إن غياب الضمير من قبل البعض وغياب الارادة من قبل الحكومة في معاقبة الخارجين علي السلم الاجتماعي وهم ، لا يقلون خطورة عن الخارجين علي القانون والإرهابيين يجعل اي جهد مخلص يبذل في اتجاه إخراج الوطن من كبواته الاقتصادية اشبه بالحرث في الماء.

وإذا كانت الاجهزة الرقابية تقوم بدورها المنوط وفق قدراتها وإمكاناتها فالمواطن مسئول أيضا عن حماية قوته من خلال أمرين، أولهما الإبلاغ عن اي شخص يتلاعب بالأسعار ، وثانيهما القيام بالدور الإيجابي في دعم الوطن من خلال العمل بكل جد واخلاص في موقعه بدلا من التفرغ لانتقاد حال البلد، عليه أن يعمل طيلة ساعات عمله ، لينجز أحوال العباد ، لا أن يتكاسل أو يتململ بداعي الظروف الصعبة أو يتهرب من العمل لقضاء مصالح خاصة أو يقضي الوقت في الترفيه عبر جهاز هاتفه المحمول ، وهنا لا أدري كيف تتجاهل الحكومة إصدار تشريع يقضي بغلق الهواتف المحمولة في أثناء وقت العمل ، فالامر تخطي حدود المعقول والمحتمل ، وبات مشهد الموظفين وهم يلعبون بهواتفهم ظاهرة في كل المصالح ، كما أن تعدد الاجازات التي يحصل عليها الموظفون تجعل الإنتاج ضعيفا، ولنا أن نتخيل أن إجازة عيد الأضحي الفعلية لدي قطاعات كبيرة تصل إلي عشرة أيام بدأ من الخميس الماضي وحتي الأحد المقبل ، وفي هذا عبث لا يليق بمجتمع يسعي للخروج من كبوات اقتصادية، إذن علينا ان نقرن الدعوات بالعمل إن كنا جادين في النهوض بوطننا من كبوته.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف