مما يدل على أن الغضب من أخلاق الناقصين أن المريض أسرعُ غضبا من الصحيح , والمرأةَ أسرع غضبا من الرجل , والصبى أسرع غضبا من الرجل الكبير , والشيخ الضعيف أسرع غضبا من الكهل , وذا الخلق السيئ والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل ,فالرَّذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ولبخله إذا فاتته الحبة حتى إنه يغضب على أهله وولده وأصحابه , بل القوى من يملك نفسه عند الغضب )
هذا هو التوصيف الرائع والمانع للغضب عند أبى حامد الغزالى يرحمه الله .( ويتفاوت الناس – عنده – فى قوة الغضب على درجات ثلاث :
1- التفريط بفقد الغضب بالكلية أو يضعفه حتى يقال : إنه لا حمية له ، وهذا يذم جدا , ومن هنا قال الشافعى : من استغضب فلم يغضب فهو حمار
2– الإفراط : تغلب عليه الصفة فيخرج عن سياسة العقل والدين ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وفكرة ولا اختيار
3- الاعتدال : وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدين فينبعث حيث تجب الحمية وينطفىء حيث يحسن الحِلمُ ، وحفظُه على حد الاعتدال هو الاستقامة التى كلف الله بها عباده وهو الوسط ).
وما قتل القاتل ولا طلق المطلق ولا قامت الحروب ولا نشبت الصراعات , ولا دخل من دخل النار إلا بسبب تلك الجمرة النارية الابليسية التى تسمى (الغضب). ومن هنا قال ابن القيم الجوزية :( دخل الناس النارَ من ثلاثة أبواب : باب شبهة أورثت شكا فى دين الله, وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعة الله ومرضاته, وباب غضب أورث العدوان على خلقه).
وأصل الغضب وسببه وضحه لنا النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه عطية ابن سعد القُرَظِى : ( إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خُلِق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ) .
وإذا كان الإنسان لا يسلم من الغضب فلتكن كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى سعيد الخدرى عن أنواع من يغضب : ( ألا وإن منهم ( من بنى آدم ) البطىءَ الغضب سريع الفىء ( العودة والهدوء ) ومنهم سريع الغضب سريع الفىء فتلك بتلك , ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء , ألا وخيرُهم بطيء الغضب سريع الفيء , ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء ).
فالغضب – كما قال عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه – مفتاح كل شر . والغضب هو غول العقل , وإذا هجم الغضب هجم ابليس وأعوانه ، ولعبوا بعقل وخيالات وانفعالات وأفعال الإنسان كما يلعب الصبيان بالكرة .