اللواء د. محسن الفحام
دروس.. من خطبة حجة الوداع
اليوم تتحقق تلك الأمنية التي يسعي لتحقيقها كل مسلم قبل أن يلقي ربه باداء فريضة الحج حيث يقف الأن ملايين المسلمين علي جبل عرفات يتضرعون إلي الله ان يغفر لهم ويتقبل منهم في مشهد يتكرر منذ العام العاشر للهجرة النبوية الشريفة إلي المدينة المنورة وحتي يومنا هذا وإلي أن تقوم الساعة بإذن الله.
في هذا المكان الطاهر وقف رسول الله صلي الله عليه وسلم بين جموع المسلمين في مشهد مهيب يلقي إليهم خطبة الوداع وكأنه يشعر انها الأخيرة في حياته حيث جاءت كوثيقة للبشرية جمعاء يوضح فيها علاقة الانسان باخيه الانسان اياً كان دينه أو جنسه وكأنه يتحدث بما يسميه المجتمع حالياً حقوق الإنسان ـ ويا ليت هذا المجتمع كان عادلاً في احترام تلك الحقوق ـ تحدث الرسول عن الحق في الحياة الكريمة والحفاظ علي المال والعرض والأرض حيث حرم الدماء والأموال والاعراض كلها دون استثناء أو انتقاء.. كما نهي عن مجرد الترويع والترهيب للآمنين. كذلك حرم الاعتداء علي غير المسلمين.. كما تضمنت الخطبة معني المساواة بين افراد الأمة ـ وهما ما نسميه حالياً مبدأ المواطنة ـ حيث قال "يا أيها الناس.. الا ان ربكم واحد.. وأن اباكم واحد.. ألا لا فضل لعربي علي أعجمي ولا أعجمي علي عربي ولا أحمر علي أسود.. ولا أسود علي أحمر.. إلا بالتقوي" فمبدأ المساواة مبدأ شرعي أصيل ليس وليد المجتمعات المتحضرة ولكنه وجد منذ أن بدأت رسالة الاسلام لتحقيق قيم التوازن والاحترام في المجتمع.. كذلك أوصي الرسول بالمرأة خيراً وهو ما تنادي به حالياً المجالس الدولية والجمعيات الأهلية والعالمية المتخصصة في شئون المرأة وعلاقتها بالرجل وأن تكون حقوقها مكفولة ومتكافئة لإرساء الحقوق والواجبات حتي يستقيم أمر الفرد والمجتمع سواء كان ذلك بين الرجل والمرأة.. أو بين المعلم والطالب.. أو بين العامل وصاحب العمل.. أو بين الفرد وأسرته.. بما يؤدي إلي الطمأنينة والاستقرار والتقدم والرقي.. فعلاً ما أعظمك يا رسول الله.. صلي الله عليك وسلم حيث استبقت منذ مئات السنين ما ينادي به العالم حالياً وياليته يطبق ما ينادي به مثلما طبقته أنت علي امتك حال حياتك من عدل ومساواة وحسم ومراعاة لحق الانسان دون النظر إلي دينه أو عقيدته أو لون بشرته.
اليوم ونحن نقف علي جبل عرفات نتذكر تلك الكلمات التي يجب أن نعتبرها ميثاقاً للعالم بأسره وأن يطبق علي جميع الدول بلا استثناء بمعني الا تطبق مبادئ حقوق الإنسان في بعض الدول ومعظمها للأسف من دول العالم الثالث ويتجاهل تطبيقها في دول العالم الذي يسمي نفسه بالمتحضر حيث نري كيف يتم التعامل مع المتظاهرين العزل في الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا علي سبيل المثال.
أن الوطن يحتاج منا حالياً أن نتكاتف ونتوحد ضد من يسفكون دماء الابرياء والشرفاء من ابنائه.. يحتاج أن نقف معاً ضد من يحاولون اشعال الفتنة وإثارة النعرة الطائفية أو القبلية بين ابناء الوطن الواحد.. يحتاج أن نتعاون لمواجهة جشع التجار والمتعاملين في قوت الشعب برفع اسعار السلع الاساسية التي يحتاجها المواطن البسيط.. يحتاج منا أن نقف معاً ضد تيار التشكيك والشائعات التي تهدف إلي تحطيم الوطن من الداخل.
لابد لنا أن نتوحد مثلما نحن الان علي جبل عرفات ندعو أن يحمي الله بلادنا وابناؤنا وجيشنا ورجال الأمن بها وأن يحمي قائد مسيرة هذه المرحلة الصعبة من تاريخ امتنا لكي نعبر معاً إلي حيث الرخاء والاستقرار والأمن والامان.. وكل عام ومصرنا بخير.